الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية..الاستراتيجية أولاً لتفادي المخاطر

لقد غيّر الذكاء الاصطناعي بشكل جذري مستقبل الرعاية الصحية، حيث أتاح فرصًا هائلة في مجالات التشخيص والعلاج، فضلًا عن تحسين الكفاءة التشغيلية على مستوى واسع.
ومن خلال تقليص فجوات الوصول إلى الخدمات الصحية وتمكين الرعاية الشخصية، يمكن لهذه التقنية أن تُحدث نقلة نوعية في هذا القطاع الحيوي.
على سبيل المثال، أظهرت دراسة نشرتها مجلة “ذا لانسيت أونكولوجي” في 2023 أن فحص الثدي بالأشعة السينية المدعوم بالذكاء الاصطناعي قد ساعد أطباء الأشعة على اكتشاف حالات سرطان الثدي بنسبة أعلى من 20%.
ومن المتوقع أن يصل سوق الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية إلى 187 مليار دولار بحلول عام 2030، بزيادة من 11 مليار دولار في 2021، مدفوعًا بتطورات التعلم الآلي وتحليلات البيانات الضخمة.
تُظهر الدراسات أيضًا قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بحالات إعادة الدخول غير المخطط لها إلى المستشفيات، مما يساهم في تحسين النتائج الصحية وتقليل التكاليف.
لكن رغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات كبيرة، مثل البيانات المنعزلة، ومخاوف الخصوصية، والتحيزات في الخوارزميات التي قد تمنع الاستفادة الكاملة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي.
تُعد الأطر التنظيمية المناسبة ومجموعات البيانات عالية الجودة ضرورية لضمان دمج هذه التقنيات بشكل مسؤول. بدون استعداد مسبق، قد تُهدر المؤسسات الموارد وتُنتج توقعات غير قابلة للتحقيق، مما يؤدي إلى تقويض الثقة في هذه التقنيات.
لذا، يُعد تبني نهج دقيق ومتوازن أمرًا أساسيًا لتحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي، مع معالجة التحديات الأخلاقية والتشغيلية.
بينما تسارع المؤسسات إلى تبني الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، لا يمكن تجاهل المخاطر المرتبطة بتطبيق هذه التكنولوجيا بدون استراتيجية واضحة.
قد يدفع حماس المؤسسات نحو التسرع في تبني الذكاء الاصطناعي قبل التأكد من جاهزيتها، مما يؤدي إلى نتائج غير مرضية.
من الأمثلة على ذلك فشل نموذج تصنيف المخاطر التنبؤي “PRISM” في المملكة المتحدة، والذي كان يهدف إلى تحديد حالات الدخول الطارئة عالية الخطورة. بسبب عدم تكامل البيانات مع النظام القائم، فشل النموذج في تصنيف المرضى بشكل صحيح، مما أدى إلى ضياع فرص تقديم الرعاية المناسبة.
في غياب الخبرة الكافية في مجال الذكاء الاصطناعي، يواجه مقدمو الرعاية الصحية صعوبة في استخدام هذه التقنيات بشكل فعال، مما قد يؤدي إلى “ديون التكنولوجيا”، وهي أدوات باهظة الثمن لا تُحقق العوائد المتوقعة.
وفقًا لمقال في مجلة “فوربس”، فإن حوالي 90% من مشاريع الذكاء الاصطناعي تفشل في تحقيق عائد على الاستثمار بسبب نقص التوافق بين الأولويات والأدوات المستخدمة.
من أجل التغلب على هذه التحديات، يجب إعطاء الأولوية للاستراتيجية على السرعة. من خلال اتباع منهجية منظمة ومدروسة، يمكن للمؤسسات الاستفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي مع تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن. هذا النهج التدريجي يضمن تحقيق توازن بين الطموح والجاهزية، ويجعل كل خطوة في الاتجاه الصحيح محسوبة وفعّالة.
تُقدم بعض المؤسسات التي اعتمدت نهجًا استراتيجيًا في تبني الذكاء الاصطناعي دروسًا قيمة. على سبيل المثال، نجحت “كايزر بيرماننت” في الولايات المتحدة في دمج نظام “هيلث كونيكت” تدريجيًا، مما أدى إلى تحسين تنسيق الرعاية والسلامة.
نهج استراتيجي لدمج الذكاء الاصطناعي |
||
إجراء عمليات التقييم الأوليّ |
|
– ابدأ بتقييم شامل للقدرات الراهنة، مع التركيز على جودة البيانات، والبنية التحتية، ومدى استعداد الكوادر العاملة. – إن فهم نقطة الانطلاق يُعد أمرًا بالغ الأهمية لتحديد الثغرات ووضع أهداف واقعية وقابلة للتحقيق. |
وضع خارطة طريق واضحة |
|
– حدد أهدافًا واضحة المعالم تتماشى مع أولويات المؤسسة؛ سواءً كان ذلك تحسين نتائج المرضى، أو خفض التكاليف، أو تبسيط العمليات الإجرائية. – تُوفر خريطة الطريق هذه التوجيه اللازم وتضمن التوافق بين مختلف الفرق. |
إطلاق مشاريع الذكاء الاصطناعي التجريبية |
|
– اختبر الأدوات في بيئات مُراقبة ومُحكمة لجمع الملاحظات القيّمة، وتحسين النماذج، ومعالجة التحديات المحتملة قبل التوسع الشامل. – تُمثل المشاريع التجريبية مسارات ذات مخاطر مُنخفضة لبناء الثقة وإثبات القيمة المضافة. |
إشراك أصحاب المصلحة |
|
– يُعد التعاون حجر الزاوية في التكامل الناجح. قم بإشراك الأطباء والإداريين والمرضى في المراحل المبكرة لتعزيز الثقة وتكييف حلول الذكاء الاصطناعي مع سير العمل اليومي. |
التوسع المستدام |
|
– قم بتوسيع نطاق مشاريع الذكاء الاصطناعي تدريجيًا، بالاعتماد على التجارب الناجحة والنتائج الإيجابية. – ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنيات، تأكد من تطوير الموارد والتكنولوجيا والكفاءات اللازمة للحفاظ على الزخم وتحقيق التأثير المنشود. |
في المملكة المتحدة، طوّرت مستشفى “مورفيلدز للعيون” نموذجًا للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع “جوجل ديب مايند”، مما أسهم في تحسين دقة تشخيص أمراض العيون وتخفيف عبء العمل على الأطباء.
إن تبني الذكاء الاصطناعي دون استعداد مسبق قد يؤدي إلى تكبد خسائر مالية وإلحاق الضرر بالمرضى. لذلك، يجب إجراء تقييمات شاملة لمدى جاهزية المؤسسات من حيث البنية التحتية والكوادر وسلامة البيانات. من الضروري أيضًا أن يتم مراعاة الاعتبارات الأخلاقية مثل التحيز والخصوصية لضمان الحفاظ على ثقة الجمهور.
يجب أن يكون التعاون الوثيق بين الحكومات ومقدمي الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا أمرًا محوريًا لوضع أطر تنظيمية تضمن دمج الذكاء الاصطناعي بشكل مستدام.
وفي النهاية، يجب على القادة أن يتحولوا من الاستعجال إلى التروّي لضمان الاستفادة القصوى من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إنشاء أنظمة رعاية صحية آمنة وعادلة تخدم الجميع.
لقد حان الوقت للعمل، لكن بحذر وبُعد نظر وهدف واضح. يجب أن نعمل على تحويل وعد الذكاء الاصطناعي إلى واقع ملموس، بطريقة مستدامة وأخلاقية، تُحدث أثرًا عالميًا.