الذكاء الاصطناعي في التعليم: أداة فعّالة أم تهديد لمصداقية العملية الأكاديمية؟

منذ ظهور “شات جي بي تي”، أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي هزة في الساحة الأكاديمية، إذ أظهرت دراسة أجريت على ألف طالب جامعي أن 90% منهم استخدموا التطبيق في إنجاز واجباتهم الدراسية بعد شهرين فقط من إطلاقه.
هذا الاستعمال المكثف أثار موجة من الذعر، ودفَع مؤسسات تعليمية إلى منعه، خوفًا من تسهيل الغش وتبديد الجهود التربوية.
لكن المفارقة المثيرة ظهرت حين بدأ أساتذة الجامعات أنفسهم في استخدام الأداة ذاتها، فهل يختلف الحكم حينما يصبح المستخدم هو من يُفترض أن يكون القدوة؟
على منصات مثل “Rate My Professors”، عبر طلاب عن استيائهم من اعتماد بعض الأساتذة المفرط على الذكاء الاصطناعي.
فهؤلاء الطلبة، الذين يدفعون آلاف الدولارات من أجل تعليم بشري مباشر، وجدوا أنفسهم يتلقون محتوى مصنّعًا من خوارزميات بإمكانهم الوصول إليها مجانًا بأنفسهم.
الطالبة “إيلا ستابلتون”، وهي في سنتها الأخيرة بجامعة “نورث إيسترن”، كشفت عن حادثة أثارت استياءها. فبينما كانت تراجع محتوى إحدى المحاضرات، لاحظت إدراجاً مباشراً لاستفسار وجهه الأستاذ إلى “شات جي بي تي”، يطلب منه شرحًا موسّعًا حول نماذج القيادة.
شعرت “ستابلتون” أن ما حدث يتنافى مع المعايير الأكاديمية التي تروج لها الجامعة، خصوصًا أن المقرر الذي تدرسه يمنع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون تصريح.
هذا الاكتشاف دفعها لتقديم شكوى رسمية لكلية إدارة الأعمال، طالبت فيها باسترداد الرسوم الدراسية، معتبرة أن الأستاذ خالف قواعد النزاهة الأكاديمية من خلال استخدامه غير المعلن للأداة.
من جهتهم، دافع بعض الأساتذة الذين تحدثت إليهم صحيفة “نيويورك تايمز” عن استخدامهم للذكاء الاصطناعي، مؤكدين أن الغاية منه تحسين جودة التعليم وتخفيف الأعباء، لا التهرب من مسؤولياتهم. وفي نظرهم، فإن الأدوات مثل “شات جي بي تي” تعمل كمساعدين ذكيين، وليست بدائل عن التدريس الفعلي.
لكن مسحًا وطنيًا أجرته شركة “Tyton Partners” أظهر تزايدًا واضحًا في استخدام هذه التقنيات. فبينما كانت نسبة الأساتذة المستخدمين المنتظمين للأدوات التوليدية 18% في العام الماضي، فإنها تضاعفت هذا العام، ما يثير تساؤلات عن مدى حضور الذكاء الاصطناعي في قلب العملية التعليمية.
بعض الأساتذة أعلنوا بصراحة استخدامهم “شات جي بي تي” في تقييم مهام الطلاب، بينما أنكر آخرون ذلك رفضًا أو خوفًا من رد فعل الطلاب.
في المقابل، دعا فريق ثالث إلى اعتماد الشفافية كمنهج، مشيرين إلى أن فقدان الثقة بين الأستاذ وطلابه قد يكون أكثر خطورة من استخدام الأداة نفسها.
في محاولة لإيجاد توازن، أوضح “روبرت ماكوسلان”، نائب رئيس قسم الذكاء الاصطناعي بجامعة “ساوثرن نيو هامبشاير”، أن مؤسسته تؤمن بقدرة الذكاء الاصطناعي على الارتقاء بالتعليم، لكن بشروط. فالتقنية يجب أن تكون محفزًا على الإبداع لا بديلًا عنه، وأداة تعزز دور الأستاذ بدلًا من تقويضه.
الذكاء الاصطناعي دخل الفصول الدراسية بقوة، وهو يطرح إشكاليات جديدة حول النزاهة، الجودة، والشفافية. نعم، يمكن أن يرفع من مستوى التعليم إذا تم استخدامه بحكمة، لكن عندما يتحول إلى أداة اختصار أو استغناء، فإن الثقة بين الطالب والأستاذ تصبح أول الضحايا.