الأسهمالاقتصادية

الحروب وأرباح الأسواق المالية..كيف تستفيد قطاعات محددة من النزاعات رغم الخسائر العالمية ؟

على الرغم من الكوارث الإنسانية والتبعات الاقتصادية الضخمة التي تُخلفها الحروب على الدول والمجتمعات، فإنها تفتح في الوقت ذاته أبواباً واسعة للربح أمام بعض القطاعات في الأسواق المالية.

بينما تتكبد قطاعات كالسياحة والنقل خسائر جسيمة، تزدهر شركات الدفاع، الأمن السيبراني، التكنولوجيا العسكرية، وقطاعات الطاقة واللوجستيات، نتيجة الطلب المتزايد على حلول الحماية والتموين والاستجابة السريعة.

وفي ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط عقب الضربات الأمريكية على إيران وتبادل الهجمات المستمر بين إيران وإسرائيل، تعاني الأسواق المالية بشكل عام، لكن بعض القطاعات قفزت إلى الصدارة وحققت أرباحاً ملحوظة.

الشركات المزودة للمعدات العسكرية والأنظمة الدفاعية، إلى جانب شركات التكنولوجيا المتقدمة، تجد في أوقات الأزمات فرص توسع وأعمال جديدة.

وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وصل الإنفاق العسكري العالمي عام 2024 إلى 2.44 تريليون دولار، وهو الأعلى على الإطلاق، بزيادة بلغت 6.8% مقارنة بالعام السابق.

ولا يقتصر الازدهار على أسهم شركات الدفاع فحسب، بل يمتد ليشمل التكنولوجيا المتصلة بالحرب الحديثة، خصوصاً في الفضاء الرقمي. فمع تصاعد الهجمات السيبرانية بين الدول المتنازعة، زادت الاستثمارات الحكومية في الأمن الرقمي، ما عزز أداء شركات مثل “بالانتير” و”كراود سترايك”.

حتى قطاع الطاقة، الذي غالباً ما يتعرض لهزات بسبب الحروب، وجد فرصة لزيادة الأرباح وسط اضطرابات الإمدادات، كما هو الحال في الشرق الأوسط.

عند اندلاع أي نزاع عالمي، تتجه أنظار المستثمرين نحو عمالقة الدفاع الأمريكية التي تحتكر عقوداً ضخمة مع وزارة الدفاع الأمريكية وتطور أنظمة الردع الحديثة. وفقاً لتقرير “مورنينج ستار دايركت”، تجاوزت الاستثمارات المؤسسية في صناديق الدفاع 80 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ47 مليار دولار في 2022.

لوكهيد مارتن: ارتفع سهمها 5% في جلسة واحدة مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مستفيدة من برامج مثل طائرات إف-35 وأنظمة الدفاع الصاروخي.

نورثروب جرومان: حققت مكاسب ملحوظة بفضل مشاريع الطائرات الحربية B-21 وتوسعاتها في الأمن السيبراني الدفاعي، مع زيادة سهمها 3.8% بعد القصف الإسرائيلي على إيران.

رايثيون تكنولوجيز: سجلت نموًا بنسبة 11% في إيراداتها الدفاعية خلال العام الماضي، مدعومة بأنظمة صواريخ باتريوت وثاد.

تطور الإنفاق العسكري العالمي خلال 5 سنوات:

السنة

حجم الإنفاق العسكري
(تريليون دولار أمريكي)

نسبة الزيادة السنوية

(%)

2020

1.9

4.2

2021

2.1

0.7

2022

2.2

3.7

2023

2.4

6.8

2024

2.7

9.4

 

وفي أكتوبر 2023، شهدت أسهم هذه الشركات ارتفاعات تجاوزت 9% خلال أسبوع واحد تزامناً مع الحرب على غزة.

لم تقتصر الطفرة الدفاعية على الولايات المتحدة، بل شملت أوروبا حيث ارتفع الإنفاق العسكري بشكل كبير إثر الحرب الروسية-الأوكرانية.

فحققت الشركة الألمانية “راينميتال” ارتفاعاً هائلاً في سعر سهمها بأكثر من 200% في 2025، بينما استفادت شركات مثل “بي إيه إي سيستمز” البريطانية، و”ليوناردو” الإيطالية، و”تاليس” الفرنسية من الطلب المتزايد على الأسلحة الذكية والتقليدية بدعم حكومي أوروبي.

وفي المجال الرقمي، برزت شركات الأمن السيبراني الأوروبية بعد تزايد الهجمات الرقمية، ما زاد من أهمية الحماية الرقمية.

مع تنامي الحروب الرقمية واستخدام الطائرات بدون طيار، شهدت شركات التكنولوجيا المتخصصة نمواً كبيراً. مثلاً:

ارتفع سهم “بالانتير” الأمريكي بنسبة 440% خلال عام واحد، بفضل عقودها الحكومية في تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي الدفاعي.

قفز سهم “آيرو جروب” من 10 إلى 32 دولارًا في 2025 نتيجة الطلب المتزايد على الطائرات دون طيار.

كما برزت شركات مثل “بالو ألتو”، “كراود سترايك”، و”فورتينت” كمزودي حلول أمن سيبراني مطورة.

توسع هذه القائمة ليشمل شركات تكنولوجية أخرى مثل “إنفيديا” التي استفادت من الطلب على رقاقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الأنظمة الدفاعية.

و أدت الأزمات في مناطق استراتيجية، مثل الشرق الأوسط، إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، مما عزز أسهم شركات الطاقة الكبرى مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون”.

كما استفادت شركات اللوجستيات مثل “فيدكس” و”ميرسك” من عقود النقل العسكري وعمليات إعادة الإعمار.

رغم المكاسب المالية لبعض الشركات، فإن الحروب تترك دمارًا شاملاً للبنى التحتية وتفاقم أزمات الغذاء والطاقة، وتسبب نزوح ملايين المدنيين.

ووفقًا للبنك الدولي، خسرت أوكرانيا وحدها أكثر من 411 مليار دولار بسبب الحرب حتى منتصف 2023، بينما قدرت الأمم المتحدة الخسائر الشهرية للاقتصاد الفلسطيني بأكثر من 200 مليون دولار منذ أكتوبر 2023.

الحروب تؤثر سلبًا على الأسواق الناشئة عبر رفع معدلات الفقر والبطالة وتدهور ثقة المستثمرين، مما يؤخر التعافي الاقتصادي.

يرى الخبراء أن الاستثمار في أوقات التوترات الجيوسياسية يحتاج إلى تنويع في الأسهم بين شركات الدفاع، الأمن السيبراني، والتكنولوجيا. من الأفضل التركيز على الشركات التي تملك عقوداً حكومية طويلة الأجل، قدرة بحث وتطوير عالية، وحضور دولي قوي.

توصى صناديق المؤشرات المتخصصة كخيار آمن للمستثمرين الأفراد، مع الحذر من المضاربات المبالغ فيها خلال ذروة الأزمات، والاهتمام بالاستثمار طويل إلى متوسط الأجل حيث تظهر نتائج الأداء الحقيقي.

باختصار، الحروب قد تكون محركات ربح لبعض القطاعات الاقتصادية، لكنها تبقى في نهاية المطاف مآسي بشرية واقتصادية لا يمكن لأي ربح مادي تعويضها.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى