اكتشاف احتياطي ضخم للقصدير يعزز موقع المغرب في سوق المعادن الاستراتيجية

في خطوة هامة لتعزيز موقع المغرب في سوق المعادن الاستراتيجية، تم الإعلان مؤخرًا عن اكتشاف احتياطي ضخم للقصدير الخام في منجم «أشماش»، بالقرب من مدينة مكناس.
هذا الاكتشاف الذي يتجاوز 39 مليون طن من المعدن يُعدّ واحدًا من أكبر الرواسب غير المستغلة على مستوى العالم، ما يضع المغرب في موقع متميز في صناعة التعدين العالمية.
يُعتبر القصدير معدنًا ذا قيمة صناعية كبيرة، إذ يستخدم بشكل رئيسي في الصناعات الإلكترونية والميكانيكية، بالإضافة إلى دخوله في صناعة العبوات المعدنية، السبائك عالية الأداء مثل البرونز، وكذلك في تصنيع الزجاج المسطح.
ومن المتوقع أن يُحدث هذا الاكتشاف نقلة نوعية في قطاع التعدين المغربي، خصوصًا في ظل الاهتمام الدولي المتزايد بالمعادن النادرة التي تُستخدم في تقنيات المستقبل، مما يجعل المغرب لاعبًا رئيسيًا في هذا المجال الحيوي.
اعتمدت الشركة الأسترالية التي تتولى المشروع على تقنيات متطورة في التنقيب، مثل المسح الجيوكيميائي والحفر الماسي، ما سمح بتوسيع نطاق الحفر واكتشاف مناطق جديدة واعدة، خصوصًا في منطقة سيدي عدي. حيث تم تنفيذ 18 عملية حفر عميق كشفت عن امتدادات واعدة للرواسب المعدنية.
يتمثل النموذج الذي تتبناه شركة Atlantic Tin في استخراج المعدن بطريقة تحت أرضية باستخدام تقنية الفودروياج الميكانيكي (Mechanized Sublevel Caving).
هذه الطريقة تتيح تحكمًا أفضل في انهيار الصخور، مما يقلل من التكاليف التشغيلية ويُحسن معدلات استخراج الخام. ويُعتبر هذا النموذج جزءًا من رؤية الشركة طويلة المدى التي تسعى إلى تطوير منجم يكون ذا جدوى اقتصادية وبيئية مستدامة.
يتزامن هذا الاكتشاف مع ظرفية عالمية تشهد ارتفاعًا في الطلب على المعادن الحرجة، خاصة القصدير، مدفوعًا بتوسع أسواق الإلكترونيات الدقيقة، والسيارات الكهربائية، وأنظمة الطاقة الذكية.
هذه الديناميكية توفر للمغرب فرصة فريدة للتموضع كفاعل رئيسي في هذه السوق، خصوصًا في ظل التحولات الجيوسياسية التي تدفع القوى الصناعية نحو تنويع مصادر توريدها.
رغم الأهمية الجيولوجية الكبيرة لهذا الاكتشاف، فإن المردودية الاقتصادية تبقى رهينة بعدة عوامل، أبرزها ضرورة الاستثمار في البنية التحتية المعدنية، وتطوير القدرات المحلية، وتأهيل الموارد البشرية، إضافة إلى تبني سياسات عمومية تشجع على الابتكار الصناعي وتحويل المواد الخام محليًا.
وفي هذا السياق، يمثل منجم «أشماش» فرصة كبيرة لتعزيز استقلالية المغرب المعدنية، كما يُعد رافعة هامة للتنمية الاقتصادية، من خلال إضافة قيمة في قطاع الصناعات الاستخراجية والتقنيات المتقدمة.
ويُتوقع أن يساهم هذا الاكتشاف في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في قطاع المعادن، ما يعزز مكانة المغرب في السوق العالمية.