اقتصاد المغربالأخبار

اختناق المقاولات الصغرى: هل السبب جشع الكبار أم تقصير الحكومة؟

تعاني المقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة (TPME)، التي تُشكل قلب الاقتصاد المغربي بنسبة تفوق 90% من نسيجه، من وضع حرج يُهدد بقاءها.

فبدلاً من أن تكون قاطرة للتنمية وخلق فرص الشغل، تواجه هذه المقاولات عقبات متزايدة، بدءاً من الغياب الفعلي لاستراتيجية حكومية واضحة وصولاً إلى التمويل الشحيح والمنافسة غير العادلة.

هذه المشاكل، التي أكدها كل من رئيس الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى رشيد الورديغي والمحلل الاقتصادي محمد جدري، تُنذر بتزايد حالات الإفلاس وانهيار آلاف الشركات.

تُعاني المقاولات الصغرى من غياب استراتيجية حكومية فعالة للنهوض بها. فعلى الرغم من تخصيص قانون المالية لسنة 2025 حوالي 340 مليار درهم للاستثمارات، إلا أن حصة هذه المقاولات من هذه الاستثمارات تبقى ضئيلة.

أحد أبرز الأسباب هو عدم تفعيل قانون صادر منذ عام 2013، الذي ينص على تخصيص 20% من الصفقات العمومية لهذه المقاولات، بسبب عدم صدور المراسيم التطبيقية اللازمة.

هذا الفراغ القانوني يُبقي الباب مفتوحاً أمام سيطرة شركات كبرى على الصفقات، مما يُرسّخ الإقصاء الممنهج للمقاولات الصغيرة.

الوزارات والإدارات الحكومية تزيد من تعقيد الوضع عبر فرض شروط تعجيزية للولوج إلى الصفقات، مثل اشتراط أرقام معاملات ضخمة أو خبرة سابقة مع الوزارة. هذه الممارسات تمنع المقاولات الصغيرة من التنافس بفعالية وتُكرّس اللامساواة.

و تُعدّ الصعوبات المالية من أكبر العقبات التي تواجه المقاولات الصغرى. فالدراسات تُشير إلى أن 90% منها تُعاني من مشكلة الولوج للتمويل، بسبب الشروط والضمانات البنكية الصعبة.

كما أن 70% من هذه المقاولات تُعاني من تأخر آجال الأداء من طرف الإدارات العمومية، مما يُؤثر سلباً على سيولتها وقدرتها على الاستمرار.

و على صعيد آخر، تُفاقم السياسات الضريبية الوضع. ففي قانون المالية لعام 2023، تم رفع الضريبة على المقاولات الصغيرة من 10% إلى 20%، وهو ما يُوازي ما تدفعه الشركات الكبرى، الأمر الذي يُعدّ غير عادل ويهدد استمرارية هذه الشركات.

و يرى المهنيون أن الحكومة تفتقر إلى تدابير ضريبية مُحفزة لهذه الفئة، مما يدفع الكثير منها نحو الإفلاس.

تُشكل المنافسة غير المتكافئة تهديداً آخر للمقاولات الصغرى. فإلى جانب سيطرة الشركات الكبرى على الصفقات، يلجأ البعض إلى تأسيس شركات “صغيرة على الورق” للاستفادة من برامج الدعم الموجهة للمقاولات الصغيرة، مما يُفرغ هذه البرامج من فعاليتها.

أما القطاع غير المهيكل، فيُعد منافساً خطيراً يُقوّض جهود التنمية ويُضعف المنافسة. أكد الخبراء على ضرورة وضع سياسة جريئة لتشجيع هذا القطاع على الاندماج في الاقتصاد الرسمي عبر تحفيزات ضريبية واجتماعية.

تُشير الأرقام إلى واقع مُقلق، حيث بلغ عدد المقاولات التي أفلست خلال العام الماضي 33 ألف مقاولة، مع توقعات بوصول الرقم إلى 40 ألفاً هذا العام. إن إنقاذ هذه المقاولات لا يُمثل فقط دعماً لشركات، بل هو استثمار في خلق فرص العمل واستقرار النسيج الاقتصادي الوطني.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى