أنظمة التقاعد في مواجهة العصر الجديد: الشيخوخة السكانية والأسواق المتقلبة

لم تعد صناديق التقاعد مجرد أدوات لتأمين دخل المتقاعدين، بل أصبحت بمثابة مرآة تعكس التحديات الاقتصادية والديموغرافية التي تواجه المجتمعات الحديثة.
فبينما كانت هذه الصناديق في الماضي ملاذًا آمنًا يوفر استقرارًا طويل الأمد، أصبحت اليوم تحت ضغط متصاعد نتيجة الشيخوخة السكانية وتراجع العوائد الاستثمارية، ما يضع استدامتها على المحك.
مع ارتفاع متوسط أعمار السكان، يتزايد عدد المتقاعدين مقارنة بعدد القوى العاملة، ما يجعل كل موظف يتحمل جزءًا أكبر من تكلفة أنظمة التقاعد.
تشير بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي إلى استمرار هذه الظاهرة في التفاقم خلال العقود المقبلة، ما يزيد من الضغط المالي على صناديق التقاعد ويستدعي إصلاحات عاجلة.

اليابان تمثل حالة نموذجية، إذ يشكل كبار السن نحو 29% من السكان، ما دفع الحكومة إلى مراجعة سياسات التقاعد والضرائب بشكل مستمر. وإضافة إلى ذلك، فإن زيادة طول فترة الحياة بعد التقاعد تزيد العبء المالي على الأنظمة، ما يحتم تبني سياسات لتعزيز مشاركة القوى العاملة أو رفع سن التقاعد.
إلى جانب الضغوط الديموغرافية، تواجه صناديق التقاعد تحديات مالية كبيرة، مع انخفاض معدلات الفائدة وتقلب الأسواق، الأمر الذي يقلص قدرة الصناديق على تحقيق العوائد المرجوة.
على سبيل المثال، تراجعت توقعات العوائد للصناديق العامة في الولايات المتحدة من 7.1% في 2021 إلى نحو 6.6–6.9% بحلول 2024–2025. حتى صندوق كالبرز، الأكبر في البلاد، سجل أداءً جيدًا لسنة واحدة، لكنه لم يعكس استدامة طويلة الأمد، ما دفعه إلى تبني سياسات أكثر حذرًا لإدارة المخاطر.
تشير تقديرات معهد إيكوابل إلى أن نسبة تمويل الصناديق الأمريكية بلغت 81% فقط في 2025، أي أن هناك فجوة تمويلية كبيرة تتجاوز التريليون دولار، ما يجعل الحاجة إلى إصلاحات مالية وهيكلية ضرورة عاجلة.
للتكيف مع هذا الواقع، بدأت الصناديق في تنويع استثماراتها بعيدًا عن السندات التقليدية، مع زيادة الاعتماد على الأسهم الخاصة والائتمان الخاص، مع مراعاة المخاطر والسيولة.
الدول التي لديها أفضل أنظمة تقاعد، وفقًا لمؤشر “ميرسر للمعاشات التقاعدية” لعام 2024:
|
الترتيب |
الدولة |
نقاط التقييم |
|
1 |
هولندا |
84.8 |
|
2 |
أيسلندا |
83.4 |
|
3 |
الدنمارك |
81.6 |
|
4 |
سنغافورة |
78.7 |
|
5 |
فنلندا |
75.9 |
|
6 |
النرويج |
75.2 |
كما لجأت بعض الصناديق إلى نقل المخاطر إلى شركات التأمين عبر صفقات شراء الالتزامات وتحوطات طول العمر.
في الوقت نفسه، تواجه الحكومات خيارات صعبة تشمل تعديل المنافع، رفع المساهمات، أو تأجيل سن التقاعد، وهي قرارات حساسة قد تثير توترات بين الأجيال، إذ يسعى المتقاعدون للحفاظ على دخولهم، بينما يواجه الشباب عبءً ماليًا أكبر مع غياب ضمانات مستقبلية مماثلة.

لم تعد الطرق التقليدية لضمان استدامة صناديق التقاعد كافية. والحل يكمن في تبني نهج مزدوج:
-
تعزيز التمويل والحَوْكمة من خلال افتراضات أكثر تحفظًا، خطط تمويل واضحة، وأدوات لنقل المخاطر.
-
إصلاح هيكلي للنظام يشمل تحفيز مشاركة القوى العاملة، تأخير سن التقاعد، وضبط السياسات المالية لضمان التوازن بين الأجيال.
بدون هذه الإصلاحات، ستظل أنظمة التقاعد معرضة لاختبارات متكررة، حتى في فترات الازدهار الاقتصادي، ما يجعل مواجهة هذه الضغوط تحديًا حقيقيًا يتطلب رؤية واضحة وإجراءات سريعة لضمان أمان مالي مستدام لكل الأجيال.




