أسعار الصرف وتداول العملات: مفاهيم أساسية وعوامل مؤثرة

يشير “سعر الصرف” إلى النسبة التي تُحدد بها قيمة عملة معينة مقابل عملة أخرى. على سبيل المثال، يُظهر سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدولار الكندي قيمة الدولار الأمريكي الواحد بالعملة الكندية.
تتأثر أسعار الصرف بشكل رئيسي بقوى السوق من خلال تفاعل العرض والطلب على العملات المتداولة، حيث يعكس السوق توازنًا بين هاتين القوتين.
في هذا السياق، يُعد سوق الصرف الأجنبي أو “الفوركس” من المفاهيم التي قد تبدو بسيطة من الناحية النظرية، لكنها تتسم بتعقيد كبير في التطبيقات العملية والتحليلات المتعمقة، مما يجعل الاستثمار فيه تحديًا جادًا.
على الرغم من أن الكثير من الأشخاص يتعاملون مع سوق الفوركس يوميًا من خلال تحويل العملة المحلية إلى عملات أجنبية لأغراض مثل السفر أو التسوق الإلكتروني، إلا أن السوق يعتبر محركًا رئيسيًا يؤثر بشكل بالغ على القرارات الاقتصادية الكبيرة على الصعيدين المحلي والدولي.
إليك بعض العوامل الأكثر أهمية التي تُحرّك أسعار العملات:
العوامل المحركة لأسعار الصرف |
|
1- تعادل القوة الشرائية
|
– تُعتبر نظرية تعادل القوة الشرائية إحدى الركائز الأساسية وأكثر المناهج بساطة في استيعاب ديناميكيات أسواق تداول العملات الأجنبية (الفوركس). – وعلى الرغم من كونها أقرب إلى إطار نظري اقتصادي عام منها إلى أن تكون مقياسًا دقيقًا لتحديد أسعار الصرف، إلا أنها تظل تمثل منطلقًا قيمًا لفهم طبيعة أسواق العملات، لا سيما للمستثمرين الجدد. – ووفقًا لجوهر مبدأ تعادل القوة الشرائية، يفترض أن تتجه أسعار الصرف نحو مستويات تضمن تساوي القدرة الشرائية للسلع والخدمات المتماثلة في مختلف الدول. – بمعنى آخر، يجب أن يكون سعر الصرف مُعدَّلاً بما يكفل أن تكون تكلفة سلة استهلاكية نمطية من المنتجات المتشابهة هي ذاتها في أي مكان في العالم عند تحويل العملات. – ويمكن لتقلبات أسعار الصرف وابتعادها عن مستوى التعادل النظري أن يوفر للمستثمرين مؤشرات أولية حول ما إذا كانت عملة ما مُقيَّمة بأعلى أو بأقل من قيمتها الحقيقية. – وفي عام 1986، بسطت مجلة الإيكونوميست هذا المفهوم الاقتصادي المعقد بأسلوب سهل التناول من خلال استحداث “مؤشر بيج ماك“. – فعلى سبيل المثال، في شهر يوليو من عام 2022، بلغ متوسط سعر وجبة بيج ماك في الولايات المتحدة 5.15 دولارًا أمريكيًا، بينما كان سعرها المقابل في منطقة اليورو 4.65 يورو. – وفي تلك الفترة، كان سعر الصرف السائد يبلغ 0.98 يورو للدولار الواحد. – إلا أن مقارنة الأسعار النسبية أشارت إلى أن سعر الصرف المتوقع وفقًا لتعادل القوة الشرائية يجب أن يكون 0.9 يورو للدولار، وهو ما عكس أن اليورو كان أقل من قيمته العادلة مقابل الدولار الأمريكي في ذلك الحين. |
2- الأخبار والبيانات الاقتصادية
|
– لا يُعدّ من المستغرب أن تتأثر أسواق العملات الأجنبية بالأخبار والمعطيات الاقتصادية، على نحوٍ مماثل لتأثر أسواق الأسهم بها. – وقد تصدّرت أخبار التضخم ومعدلات الفائدة المشهد الاقتصادي خلال العام المنصرم، إذ شهدا ارتفاعًا جليًا على الصعيد العالمي في عام 2022. – فمع صعود أسعار الفائدة، يزداد بريق الاستثمار في دولة معينة، مما يجلب إليها المزيد من التدفقات النقدية والاستثمارات. – وينتج عن ذلك تصاعد في الطلب على العملة المحلية، وهو ما يدفع قيمتها إلى الارتفاع النسبي مقارنةً بالعملات الأخرى. – بإمكان المستثمرين المتمرسين الاستفادة من معلومات أسعار الفائدة في التنبؤ بتحركات أسعار الصرف، وذلك بالاعتماد على نظرية تعادل أسعار الفائدة. – وتقوم هذه النظرية على توقع أسعار الصرف المستقبلية بناءً على كل من سعر الصرف الفوري الراهن، والفارق في نسب أسعار الفائدة بين الدولتين اللتين يجري تداول عملتيهما. |
3- التجارة الدولية وتدفقات رأس المال
|
– تضطلع الموازين التجارية بدورٍ مؤثرٍ في تحديد أسعار صرف العملات. – وغالباً ما يميل هذا التأثير لصالح الشركاء التجاريين الذين يحققون فوائض في ميزانهم التجاري. – فعندما يرتفع الطلب على سلع دولة معينة، ويصاحب ذلك الدفع بتلك السلع بالعملة المحلية (على سبيل المثال، الدفع بالدولار مقابل السلع الأمريكية)، فإن ذلك من شأنه أن يعزز قيمة العملة المحلية لتلك الدولة. – في المقابل، فإن الدول التي تعتمد بشكل أساسي على استيراد السلع، غالباً ما تشهد انخفاضاً في قيمة عملتها مقارنةً بشركائها التجاريين المصدرين. |
4- التحليل الفني
|
– يُعدّ التحليل الفني بمثابة أداة أو منهجية يُستعان به لاستشراف مسارات الأسعار المستقبلية المحتملة للأوراق المالية، وذلك على غرار أزواج العملات، بالاستناد إلى بيانات السوق السابقة. – وتقوم الركيزة النظرية التي يستند إليها التحليل الفني على افتراض مفاده أن التصرفات الجماعية – من عمليات بيع وشراء – لكافة المتداولين والمتعاملين في السوق تعكس بشكل أمين وشامل جلّ المعلومات القيّمة والمتصلة بالأوراق المالية قيد التداول، وهو ما يفضي بدوره إلى تحديد قيمة سوقية عادلة لتلك الأوراق المالية بشكل دائم. – ويلجأ المحللون الفنيون إلى تمحيص الرسوم البيانية السعرية سعيًا لاستشراف تحركات الأسعار المستقبلية. – ويُعدّ الإطار الزمني والمؤشرات الفنية المُحدّدة بمثابة أبرز متغيرين جوهريين في صلب التحليل الفني. – تتفاوت الأطر الزمنية التي يعتمدها التحليل الفني والمُجسّدة في الرسوم البيانية بين نطاق زمني يبدأ من دقيقة واحدة وصولًا إلى بضعة أشهر أو حتى أعوام. |
يعتبر تداول العملات أحد أكثر الأنشطة تعقيدًا وصعوبة من منظور المستثمرين، ولا يعد مناسبًا للمبتدئين الذين يدخلون هذا السوق دون فهم كافٍ.
لذا، لكي يحقق المستثمر النجاح في هذا المجال، يجب أن يكون على دراية كاملة بالمخاطر المحتملة في أسواق الصرف الأجنبي.
قبل الخوض في أسباب تقلبات أسعار العملات في سوق الفوركس، يجدر بنا أولاً أن نفهم هيكل هذا السوق. من المفاجآت التي قد يكتشفها المستثمرون الجدد هو أن الفوركس يُعد السوق المالي الأكبر عالميًا، حيث يتجاوز حجم التداول اليومي فيه 6 تريليونات دولار أمريكي، أي بما يزيد بخمسة أضعاف عن حجم التداول الذي كان عليه قبل عشرين عامًا.
من الخصائص المميزة لسوق الفوركس هي السيولة العالية، التي تتفوق على سيولة أسواق الأسهم والسندات. كما أن تكاليف المعاملات في هذا السوق تعتبر منخفضة بشكل ملحوظ، ويعود ذلك إلى الهوامش الضئيلة بين أسعار العرض والطلب.
تتمحور عمليات التداول في سوق الفوركس حول أزواج العملات، مثل زوج الدولار الأمريكي واليورو (USD/EUR) أو الدولار الأمريكي والين الياباني (USD/JPY).
تتمتع هذه الأزواج بميزة إمكانية التحرك في كلا الاتجاهين، مما يتيح للمتداولين خيار شراء أو بيع العملة الأساسية مقابل العملة المقابلة، مما يسهل عمليات التبادل بين العملات.
نظرًا لتقلبات قيم العملات وتفاوتها، يستطيع المستثمرون تحقيق الأرباح من خلال استغلال هذه التحركات النسبية.
لكن، كما هو الحال مع أي منتج استثماري آخر، فإن تحركات أسعار العملات تخضع لتأثيرات معقدة ومتنوعة، مما يجعل فهم العوامل المحركة لسوق الفوركس أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق النجاح.