أزمة العمالة الموسمية تهدد الزراعة المغربية..أزمة صامتة تتفوق على أزمة المياه

في الوقت الذي تواصل فيه المنتجات الزراعية المغربية تعزيز حضورها القوي في الأسواق العالمية، يلوح في الأفق تهديد صامت لكنه متصاعد: نقص اليد العاملة الموسمية.
هذه الأزمة باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستمرارية الإنتاج الزراعي، وتمس ربحية المزارعين وقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم التصديرية، ما يضع النموذج الزراعي المغربي بأكمله على المحك.
رغم أن ندرة المياه كانت دائمًا في صدارة التحديات البيئية، إلا أن تقارير حديثة، مثل تقرير منصة “Fresh Plaza”، تكشف أن نقص العمالة الموسمية بات أكثر إلحاحًا.
فالأعمال الزراعية التي تعتمد على التدخل اليدوي الدقيق، من التقليم إلى الحصاد، تواجه اضطرابات شديدة بسبب غياب عمالة كافية، ما يؤدي لخسائر كبيرة في الجودة والكميات.
ويقول عثمان مشبال، المدير العام المنتدب لمجموعة “ضيعات زنيبر”: “نقص العمالة أصبح مشكلة هيكلية تهدد كل المناطق الزراعية المغربية. نضطر لاستقدام عمال من مناطق بعيدة، ما يرفع الكلفة ويقلل من الجدوى الاقتصادية، بل أراه أخطر من أزمة المياه”.
تكشف بيانات جمعية مصدّري الفواكه والخضر (APEFEL) عن انكماش مقلق في زراعة المحاصيل التي تتطلب عمالة يدوية كثيفة، مثل الفراولة والتوت والطماطم والحمضيات.
على سبيل المثال، انخفضت زراعة الفراولة من 3700 هكتار سنة 2022 إلى 2300 هكتار سنة 2025.
ويحذر أمين بنّاني، رئيس جمعية منتجي الفواكه الحمراء، من خطورة تأخر موسم الجني: “أي تأخير يؤدي إلى نضج مفرط وتفشي الآفات، ما يؤدي إلى إتلاف جزء مهم من المحاصيل، لتصبح أزمة اليد العاملة تهديدًا مباشرًا يضاف إلى أزمة المياه”.
منذ إطلاق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر سنة 2021، برزت تداعيات غير متوقعة. يخشى عدد كبير من العمال فقدان دعمهم الاجتماعي إذا سُجلوا في صندوق الضمان الاجتماعي (CNSS)، ما يضع أرباب العمل أمام معضلة قانونية تهدد حصولهم على شهادات الجودة والتصدير.
ويقول يونس الرزوقي، مدير الموارد البشرية بمحطة “كاباج سوس”: “عدم رغبة العمال في التسجيل بـ CNSS يجعلنا في موقف صعب أمام المتطلبات القانونية، في حين تتحكم شركات الوساطة المؤقتة في سوق العمل وتفرض شروطها، ما يخلّ بالتوازن بين المناطق الزراعية”.
تزايد اعتماد المزارعين على عمالة من مناطق بعيدة يرفع الكلفة التشغيلية، وهو ما يؤثر على هوامش الربح، حتى في محطات التعبئة والتلفيف.
تقول أسماء اللطاني، مديرة التسويق في “BL Agri”: “الأزمة تمتد من الحقول إلى محطات التلفيف، حيث الذروة بين نوفمبر وديسمبر مع بداية موسم الفواكه الحمراء، ما يخلق منافسة حادة على اليد العاملة ويضاعف الخسائر”.
أحد أسباب تفاقم الأزمة هو منع السلطات الزراعية إقامة مساكن مؤقتة للعمال في المناطق التي لا تتوفر على بدائل. يوضح بناني: “العمال يقطعون مسافات طويلة يوميًا، وهذا غير عملي. في منطقة لوكوس، نبحث عن عمال ضمن نطاق مئات الكيلومترات”.
ويشير التقرير إلى مفارقة لافتة: آلاف العمال من نفس المناطق يسافرون سنويًا للعمل في حقول الفراولة بإسبانيا، رغم أن أجورهم في المغرب قد تصل أحيانًا لثلاثة أضعاف الحد الأدنى الوطني.
وجود حوالي 17 ألف مهاجر إفريقي في منطقة سوس ماسة ساهم في التخفيف من حدّة الأزمة، لكنه يفتقد للتنظيم القانوني. يقول أحد منتجي الطماطم في أكادير: “بدون هؤلاء المهاجرين، ستتوقف عشرات الشركات. لكننا بحاجة لإطار قانوني يحفظ حقوقهم ويضمن استمرارية عملهم”.
مع الاستعدادات الكبرى لتنظيم كأس العالم 2030، اجتذب قطاع البناء أعدادًا كبيرة من العمال، ما زاد من الضغوط على القطاع الزراعي. يوضح رايس إسرهني، مدير “APEFEL”: “اليوم لم تعد المنافسة بين المزارعين، بل بين الزراعة وقطاعات اقتصادية كبرى مثل البناء والصناعة والخدمات”.
تلفت اللطاني إلى أن ارتفاع الأجور والضغوط التشغيلية تهدد تنافسية المنتجات المغربية في أسواق مثل فرنسا وهولندا وإسبانيا. وإذا استمرت هذه الظروف، قد تفقد المنتجات المغربية ميزتها التنافسية.
يطالب المنتجون بإعادة النظر في نظام الدعم الاجتماعي بما يتيح فترات انتقالية للتصريح بالعمال دون حرمانهم من الدعم، مع السماح ببناء مساكن مؤقتة ملائمة، وتأسيس إطار قانوني للهجرة الموسمية لاستقطاب العمالة الأجنبية. كما يشددون على ضرورة تحسين ظروف العمل والنقل، لضمان دخل عادل وتحفيز العمال المحليين على العودة للحقول.
يختم الرزوقي قائلًا: “رقعة الزراعة تتوسع باستمرار، لكن السؤال الحاسم: من سيحصد كل هذه المحاصيل؟ الأزمة لم تعد مجرد عثرة مؤقتة، بل تهديد حقيقي لمستقبل الزراعة المغربية”.