خلف جدران الصمت.. الوجه القاتم لمعامل ‘الكابلاج’ حيث تُهدر كرامة النساء من أجل التصدير

خلف الأسوار الإسمنتية العالية للمناطق الصناعية، حيث تدور عجلة الإنتاج لتزويد الأسواق العالمية بأسلاك السيارات والملابس الجاهزة، تختبئ مأساة إنسانية صامتة بطلاتها آلاف النساء المغربيات اللواتي تحولن إلى ما يشبه “تروساً” في آلة لا ترحم .
ففي هذه المعامل، لا يُقاس الزمن بدقائق الساعة، بل بمدى قدرة الأجساد المنهكة على الصمود واقفة لأكثر من 12 ساعة متواصلة تحت ضغط إنتاجي رهيب مقابل أجور زهيدة تتراوح بين 1700 و2600 درهم شهرياً، وهي مبالغ لا تلامس حتى الحد الأدنى للكرامة في ظل موجة الغلاء الحالية، مما يضعنا أمام صورة صارخة لما يمكن وصفه بـ”العبودية الحديثة”.
هذا الواقع المرير لا يتوقف عند الاستنزاف المادي فحسب، بل يمتد ليشمل انتهاكات جسيمة للحقوق الآدمية، حيث تُحرم العاملات من أبسط فترات الراحة ومن حق الوصول إلى الماء أو المرافق الصحية إلا بشروط قاسية، توازيها مخاطر بيئية تجسدت في حوادث اختناق جماعي ناتجة عن تسرب مواد كيميائية في غياب تام لمعايير السلامة، فضلاً عن تقارير صادمة توثق حالات تحرش جنسي وضغوط نفسية تُمارس لترهيب كل من تجرؤ على المطالبة بحقها أو محاولة التنظيم النقابي، حيث يظل “شبح الفصل” وسيلة فعالة لإسكات أي صوت يطالب بالعدالة.
هذا المشهد القاتم انتقل صداه بقوة إلى قبة البرلمان، حيث فجرت النائبة البرلمانية عويشة زلفى تساؤلات حارقة حول “الاستغلال الاقتصادي” الممنهج ضد النساء، مؤكدة في تصريحات شديدة اللهجة أن ما يحدث داخل هذه الوحدات الصناعية يضرب في عمق الدستور المغربي الذي جعل من المساواة والمناصفة خياراً استراتيجياً للدولة لا مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي.
وأوضحت النائبة أن التمكين الاقتصادي الحقيقي هو الركيزة الأساسية لبناء مغرب الكرامة، منتقدة بشدة التقاعس الرقابي لمفتشيات الشغل التي غابت عن مراقبة هذه المؤسسات وضبط مخالفاتها، مما منح الضوء الأخضر لبعض المشغلين للتمادي في خرق القانون وحرمان العاملات من حقوقهن المادية والاجتماعية.




