تقرير : بطالة الشباب في المغرب أزمة بنيوية تستنزف طاقات جيل كامل

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE) في تقريره السنوي لعام 2024 عن صورة مقلقة لملف إدماج الشباب في سوق الشغل، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية ليست مجرد تحديات عابرة بل هي إكراهات بنيوية عميقة تستنزف طاقات جيل كامل.
التقرير، الذي حصلنا على نسخة منه، يدق ناقوس الخطر إزاء ضعف الجسور المؤدية من مقاعد الدراسة إلى عالم العمل، مؤكداً وجود تفاوت صارخ بين مخرجات التكوين ومتطلبات السوق.
الأرقام الواردة في التقرير صادمة، إذ تشير إلى أن 70.4% من الشباب العاطلين يعانون من بطالة طويلة الأمد تمتد لأكثر من سنة.
والأدهى من ذلك، أن 73.4% منهم لم يسبق لهم أن خاضوا أي تجربة عمل على الإطلاق، وهو ما يفسر بـضعف آليات التدريب والتوجيه والوساطة المهنية التي يفترض أن تُسهل عملية الانتقال نحو التشغيل.
ولم يعد الحصول على الشهادة الجامعية صكاً مضموناً للوظيفة، حيث سجل التقرير أن معدل بطالة الشباب بين 15 و24 سنة الحاصلين على مؤهلات عليا بلغ نسبة قياسية قدرها 61.2%.
هذه النسبة تعكس بوضوح الفجوة الهائلة بين ما يُدرس في الجامعات والكفاءات التي يطلبها أرباب العمل، مما يُلقي بظلال من الشك على مدى ملاءمة المناهج التعليمية لسوق الشغل المتغير.
يشير المجلس إلى أن واحداً من أكبر المعوقات هو تعدد وتشتت البرامج والمؤسسات المعنية بالتشغيل. فبرامج مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أنابيك، فرصة، أوراش، أنا مقاول وغيرها، تعمل في جزر منعزلة، دون وجود إطار استراتيجي موحد أو تنسيق فعال في المتابعة والتقييم.
هذا التشتت يجعل العديد من هذه المبادرات غير معروفة بالقدر الكافي لدى الشباب، ولا يستفيد منها فعلياً إلا أقلية محدودة، مما يقلل من أثرها الإجمالي على ملف البطالة. كما لوحظ محدودية اللجوء إلى آليات الوساطة المهنية، وهو ما قد يعكس إما ضعف ثقة الشباب في هذه المؤسسات أو عدم وضوح الآليات المتاحة أمامهم.
ألقى التقرير الضوء كذلك على التحديات التي تعترض المشاريع المقاولاتية للشباب، مؤكداً أن برامج مثل “انطلاقة” لا تزال ذات أثر محدود مقارنة بحجم الاحتياجات.
و من أبرز هذه العوائق: صعوبة الولوج إلى التمويل، الإكراهات العقارية، البطء الإداري، والحاجة الملحة إلى المواكبة التقنية والتكوين الملائم.
ويكشف التقرير أن غالبية الشباب، خصوصاً الأقل تأهيلاً، لا يشعرون بأنهم مستهدفون بهذه البرامج أو أنهم غير مستعدين لخوض غمار المقاولة، وأن الآليات المطروحة حالياً، كبرنامج “فرصة”، تبقى غير كافية لمواجهة الإكراهات الهيكلية لمناخ الأعمال.
أما شباب العالم القروي، فيواجهون صعوبات مضاعفة بسبب البعد الجغرافي عن المراكز الاقتصادية، والتكاليف الباهظة المرتبطة بالنقل والإقامة، وضعف خدمات المواكبة.
وفي سياق متصل، شدد التقرير على المعاناة الخاصة بالشابات القرويات فيما يتعلق بالتنقل الآمن والاستقلالية الاقتصادية، في ظل الممارسات التقييدية والتمييزية السائدة في المجتمع القروي.
وختاماً، يدعو تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى إصلاحات هيكلية فورية لضمان دمج حقيقي ومستدام للشباب في سوق الشغل، مؤكداً أن الأمر يتطلب تنسيقاً استراتيجياً غير مسبوق بين كافة السياسات العمومية المعنية.