الأسهمالاقتصادية

بين الحدس والخوارزميات…فهم سلوك التداول العشوائي لدى جيل المستثمرين الشباب

في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة والتغيرات الاجتماعية المتعمقة، باتت أسواق الأسهم تشهد ثورة غير مسبوقة يقودها جيل الشباب الذي يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

هذا الجيل، المعروف بـ”جيل التداول السريع”، لا يقتصر تأثيره على مجرد زيادة عدد المستثمرين، بل يمتد إلى تغيير قواعد اللعبة في كيفية اتخاذ القرارات، وتنوع الأدوات المستخدمة، وتداخل الأصول المالية.

واحدة من أبرز مظاهر هذا التحول هو الاعتماد الواسع على تطبيقات التداول الرقمية مثل “روبين هود” و”إي تارو”، التي سهلت بشكل كبير دخول المستثمرين الشباب إلى الأسواق المالية، متخطين بذلك الوسائل التقليدية والمستشارين الماليين.

أظهرت الدراسات أن أكثر من 65% من المستثمرين الشباب يفضلون هذه التطبيقات، مقارنة بـ45% من جيل الألفية و30% من جيل إكس.

كما أن المحتوى المالي على منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”إنستغرام” بات يلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل قرارات الاستثمار، حيث يعتمد 60% من الشباب في الأسواق الناشئة على هذه المصادر لاتخاذ قراراتهم.

بالإضافة إلى ذلك، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي” تدخل بقوة في دعم عمليات التداول والاستثمار، لكن هذا التوجه يحمل مخاطره، حيث أظهرت تقارير أن بعض طلاب المدارس الثانوية تكبدوا خسائر متوسطة بلغت 500 دولار نتيجة للاستشارات العشوائية وقلة الخبرة المالية.

سلوكيات التداول عند هؤلاء الشباب تتميز بردود فعل سريعة وعاطفية، حيث يفضلون الشراء في لحظات انخفاض حادة بهدف تحقيق أرباح سريعة، وهو ما يختلف عن التحليل المالي التقليدي القائم على دراسات معمقة.

وفقًا لدراسة في الهند، اعترف نحو 49% من المستثمرين الشباب بأنهم صاروا أكثر اندفاعًا بعد متابعة المحتوى المالي عبر الإنترنت، ويتدخلون في محافظهم الاستثمارية حوالي 10 مرات شهريًا، مقابل مرة كل شهرين تقريبًا لدى غير المستخدمين لهذه المنصات.

كما برز تداخل قوي بين سوق الأسهم والعملات الرقمية، إذ يمتلك 74% من جيل زد في كندا استثمارات متنوعة بين الأسهم والعملات المشفرة، مع ميل لرؤية الأسهم كاستثمار أقل خطورة رغم الطابع المضاربي لمعظم تداولاتهم.

ظاهرة “اللعبنة” أو دمج عناصر الألعاب في منصات التداول أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تجربة الاستثمار الحديثة، حيث تحولت المنصات إلى بيئات تفاعلية تشبه الألعاب الإلكترونية، مع نقاط ومكافآت وشارات وقوائم متصدرين تحفز المستثمرين على التفاعل المستمر.

رغم أن الهدف منها تشجيع الاستثمار وتسهيل التعلم، إلا أن النتائج أظهرت خسائر فادحة تجاوزت 350 مليار دولار في 2022، وانتشار إدمان التداول لدى الشباب.

تجارب مختبرية أوضحت أن إضافة نظام نقاط افتراضي رفع نشاط التداول بنسبة 40%، كما أن عرض “الأسهم الأكثر تداولًا” زاد من احتمالية شراء وبيع هذه الأسهم بنسبة 14% رغم غياب التوصيات الرسمية.

في ضوء هذه التطورات، يمكننا توقع اتجاهات مهمة ستشكل مستقبل الأسواق المالية، منها تصاعد وتيرة التداول اللحظي، وتوسع الأصول الرقمية والرمزية، إلى جانب تراجع دور المؤسسات المالية التقليدية أمام منصات التداول الرقمية الحديثة.

المستثمرون الشباب يتخذون قراراتهم استنادًا إلى محتوى سريع ومتنوع، ويستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل واسع دون فهم معمق، مما يولد بيئة تداول نشطة لكنها محفوفة بالمخاطر.

و من هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى وضع أطر تنظيمية شاملة تشمل التعليم المالي، مراقبة المحتوى، وتنظيم تصميم التطبيقات، لضمان استدامة الأسواق وحماية المستثمرين من التقلبات والمخاطر المحتملة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى