بريطانيا تُطلق حقبة نووية جديدة…بين الطموح المالي والتحديات العملية

0 3 دقائق

على ضفاف بحر “كليفي باي” في مقاطعة “سومرست”، تصطف الحفريات الضخمة والرافعات العملاقة في موقع محطة “هينكلي بوينت سي” النووية، لتشكل لوحة هندسية ضخمة وكأنها خرجت مباشرة من مخططات المدن المستقبلية.

هذه المشاهد تعكس بداية مرحلة جديدة في تاريخ الطاقة البريطاني، بعد أكثر من 20 عامًا من التوقف عن بناء محطات نووية جديدة، حيث يُتوقع أن يوفر المشروع نحو 7% من كهرباء البلاد، لكنه في المقابل يفرض تكلفة مالية ضخمة غير مسبوقة.

غياب مشاريع نووية جديدة على مدى أكثر من عقدين ترك فجوة مهارية كبيرة في البلاد. تآكلت الخبرات الفنية، وتباطأت سلاسل التوريد، وظهرت شبكة مقاولين لم يسبق لهم العمل على مشاريع بهذا الحجم.

كل قرار تصميمي أو تنظيمي يستدعي تعلمًا جديدًا أو استقدام خبرات خارجية، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في التكاليف الزمنية والمالية.

متوسط تكلفة البناء لكل ميجاواط للمحطات النووية التي بُنيت منذ عام 2000
الترتيب	الدولة	متوسط التكلفة * (مليون دولار لكل ميجاواط)
1	المملكة المتحدة	14.69
2	الولايات المتحدة	13.89
3	مصر	10.01
4	سلوفاكيا	9.10
5	فنلندا	8.11
6	بنجلاديش	7.03
7	الأرجنتين	6.34
8	فرنسا	6.02
9	الإمارات	5.52
10	باكستان	5.14
11	تركيا	4.59
12	البرازيل	4.39
13	اليابان	3.62
14	الصين	3.22
15	الهند	3.07
16	كوريا الجنوبية	3.05

رغم أن بريطانيا كانت رائدة في تشغيل أول محطة نووية تجارية عام 1956، فإن ميزانية مشروع “هينكلي” ارتفعت من 18 مليار إسترليني (حوالي 23.7 مليار دولار) عام 2016 إلى نحو 46 مليار إسترليني حاليًا، ليصبح أحد أغلى مشاريع الطاقة النووية في العالم.

تصل تكلفة بناء كل ميجاواط في “هينكلي” إلى أكثر من 10 ملايين إسترليني، أي أكثر من أربعة أضعاف متوسط تكلفة محطات نووية مماثلة في كوريا الجنوبية، ما يشير إلى أن العوامل المحلية والتحديات التنظيمية تضيف عبئًا كبيرًا على الحساب النهائي، وليس التصميم وحده.

اتباع بريطانيا نهجًا صارمًا في التنظيم أدى إلى إجراء أكثر من 7 آلاف تعديل على تصميم المفاعل لضمان تلبية معايير السلامة.

و طلب الترخيص وحده تجاوز 30 ألف صفحة، واستغرق المشروع عقدًا كاملًا قبل بدء الحفر، ما أدى إلى مضاعفة التكاليف المالية والإدارية. حتى التعديلات الصغيرة قد تسبب تأخيرات لأشهر وتكلفة إضافية بمئات الملايين.

محطات الطاقة النووية في المملكة المتحدة
الترتيب	المحطة النووية	سنة الانتهاء	متوسط التكلفة * (مليون دولار لكل ميجاواط)
1	دنجنيس بي	1985	3.56
2	هنترستون بي (الوحدتان 3 و 4)	1977	4.41
3	سايزويل إيه	1966	5.02
4	رولز رويس الصغير	أوائل الثلاثينيات	5.98
5	هييشام بي	1988	7.40
6	سايزويل بي	1995	7.86
7	تراوسفينيد	1965	8.57
8	تورنيس	1989	8.78
9	سايزويل سي	أوائل الثلاثينيات	11.98
10	هنكلي بوينت سي	أوائل الثلاثينيات	13.62

تضمنت إجراءات الموقع حماية الحياة البحرية، من تعديل مآخذ المياه إلى استخدام تقنيات متقدمة لحفظ الأسماك. هذه الخطوات، رغم تكلفتها العالية، تعكس حرص المشروع على الحد من التأثير البيئي، مع إبراز التساؤلات حول مدى التوازن بين الفائدة البيئية والتكلفة المالية.

إلى جانب المفاعلات العملاقة، تستثمر “رولز رويس” نحو 2.5 مليار إسترليني لبناء ثلاثة مفاعلات نووية صغيرة بحلول أوائل الثلاثينيات، توفر مرونة أكبر وتكلفة تشغيلية أقل، لكن نجاح هذه التقنية يعتمد على سرعة الإنجاز والانضباط في التنفيذ.

ابتداءً من شتاء هذا العام، سيشارك المواطنون البريطانيون في تمويل مشروع “سايزويل سي” عبر إضافة جنيه إسترليني واحد شهريًا على فاتورة الكهرباء لكل منزل، ليصبحوا شركاء في المشروع منذ مرحلة الحفر وحتى اكتمال المحطة منتصف الثلاثينيات.

مقارنة دولية لتكاليف بناء محطات نووية مختارة
الترتيب	الدولة / المشروع	متوسط التكلفة * (مليون دولار لكل ميجاواط)
1	الهند – كودانكولام 1 و 2	2.23
2	الصين – هونغيانخه 1 إلى 6	2.24
3	الصين – فانغجياشان 1 و 2	2.30
4	الهند – راجستان 7 و 8	2.39
5	كوريا الجنوبية – شين وولسونغ 1 و 2	2.65
6	الصين – تايشان 1 و 2	2.84
7	كوريا الجنوبية – شين كوري 3 و 4	2.99
8	كوريا الجنوبية – شين كوري 5 و 6	3.21
9	الهند – كودانكولام 3 و 4	3.66
10	الصين – سانمن 1 و 2	4.02
11	الإمارات – براكة 1 إلى 4	5.52
12	المملكة المتحدة – رولز رويس	5.98
13	فنلندا – أولكيلوتو 3	8.11
14	فرنسا – فلاهفيل 3	9.83
15	المملكة المتحدة – سايزويل سي	11.98
16	الولايات المتحدة – واتس بار 2	13.02
17	المملكة المتحدة – هنكلي بوينت سي	13.62
18	الولايات المتحدة – فوجتل 3 و 4	14.78

رغم الطموحات، تواجه بريطانيا خطر توقف بعض المفاعلات القديمة قبل تشغيل الجديدة، حيث تنتج حاليًا 5 مفاعلات نحو 14% من الكهرباء، مقارنة بأكثر من ربع الإنتاج في أواخر التسعينيات، فيما ستتوقف 4 منها قبل نهاية العقد. وحتى بعد اكتمال المحطات الجديدة، ستظل الحاجة قائمة لتطوير الشبكة وتحفيز ترشيد استهلاك الطاقة.

يظل مشروع “هينكلي بوينت سي” فرصة حقيقية لإعادة إحياء برنامج نووي محلي قوي، ما يوفر طاقة أنظف، وظائف عالية الجودة، استقلالية أكبر في الإمدادات، واستعادة الثقة في قدرة بريطانيا على الابتكار والتطوير.