الاقتصاديةالتكنولوجيا

الصين…رائدة الثورة الصناعية الخضراء التي تعيد تشكيل مستقبل الطاقة العالمي

في يونيو 2025، خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، أكدت البروفيسورة إليزابيث ثوربون من جامعة نيو ساوث ويلز أن “الصين هي مهد الثورة الصناعية الخضراء العالمية”.

هذه العبارة ليست مجرد تقييم عابر، بل تعكس استراتيجية وطنية شاملة تديرها بكين، تهدف إلى قلب معادلات الطاقة العالمية، وتؤكد أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر ليس خيارًا رفاهيًا بل ضرورة حتمية للأمن الاقتصادي والبيئي.

قبل عقد من الزمن، كانت صورة الصين مرتبطة بسماء بكين الملبدة بالدخان والكثافة العالية للتلوث، ما جعل فكرة تحقيق تحول بيئي جذري تبدو بعيدة المنال.

لكن خلال سنوات قليلة، استطاعت الصين أن تحقق تحولاً جذريًا، متجاوزة دورها كأكبر مصدر للتلوث إلى صدارة المشهد العالمي في مجال الطاقة النظيفة.

الحقائق والإحصائيات تؤكد ذلك؛ ففي 2024، استحوذت الصين على أكثر من 40% من الطاقة المتجددة المضافة عالميًا، مستثمرة أكثر من 818 مليار دولار في مشاريع الطاقة النظيفة، وهو ما يفوق بمراحل استثمارات أي دولة أخرى.

ويصف المبعوث الصيني للمناخ، ليو تشن مين، هذا الالتزام بأنه “راسخ وثابت”، في حين تؤكد ثوربون أن هذا الاستثمار هو منبع لفرص اقتصادية هائلة من خلال بناء صناعات جديدة، وتحقيق إيرادات ضخمة، وخلق ملايين فرص العمل.

بينما كانت الدول المتقدمة تستغرق عقودًا طويلة بين ذروة الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني، تواجه الصين تحديًا استثنائيًا عبر تقليص هذه المدة إلى ثلاثين عامًا فقط.

أمامها معادلة معقدة تتطلب تأمين الطاقة لما يزيد على 1.4 مليار نسمة، ودعم أكبر قاعدة صناعية، ومواصلة التنمية العمرانية، مع تقليل اعتمادها على الفحم تدريجيًا.

ECSECC - Eastern Cape Socio Economic Consultative Council

وتسعى الصين لأن يشكل الوقود غير الأحفوري أكثر من 80% من مزيج طاقتها بحلول 2060، مما سيغير قواعد اللعبة على المستوى العالمي.

يكمن سر نجاح الصين في اعتمادها على فلسفة “شيان لي هو بو”، أي “ابنِ أولًا، ثم اهدم لاحقًا”. بدلاً من الانشغال بنقاشات حول كيفية الاستغناء عن الوقود الأحفوري قبل توفر بدائل، قامت بكين بتطوير منظومات صناعية ضخمة للطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والسيارات الكهربائية، لتكون بدائل موثوقة ثم بدأت تدريجيًا تفكيك البنية القديمة.

هذا النهج العملي يضاعف من فرص الأمن القومي، ليس فقط على صعيد حماية البيئة، بل أيضًا في تأمين الطاقة، ودعم الاقتصاد، وتعزيز الأمن الجيوسياسي.

رغم الزخم الكبير، تواجه الصين تحديات عالمية، فالتوترات الاقتصادية والجيوسياسية تضع العراقيل أمام التعاون الدولي، خاصة مع تصاعد الحروب التجارية وفرض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، رغم أن بكين تصنع معظم مكونات الطاقة المتجددة التي يحتاجها العالم.

تؤكد ثوربون أن الحديث عن “القدرة الفائضة” في مجال الطاقة المتجددة هو وهم، إذ لا يمكن للعالم أن يغطي حاجاته الطاقية المتزايدة إلا عبر إنتاج كل لوح شمسي وكل توربين ريحي ممكن.

السيناريو المرجح بحسب ثوربون، هو أن تدفع هذه الضغوط الصين إلى تسريع جهودها، مستهدفة الاكتفاء الذاتي التكنولوجي وتوسيع نطاق التحول الأخضر. عندما تحدد الصين هدفًا، فإنها تسعى لتحقيقه بلا تراجع، وبالرغم من أن تحقيق الحياد الكربوني يبدو اليوم طموحًا بعيدًا، إلا أن سجلها الحافل يجعل من المستحيل واقعًا محتملًا.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى