الاقتصادية

ارتفاع أسعار البقالة يغير وجه التسوق الأمريكي: كيف تواجه الأسر واقع التضخم؟

في قلب صيف تكساس الحارق، حيث تصل حرارة الطرق إلى أكثر من 40 درجة مئوية، اعتادت شاحنات التبريد أن تجلب كميات وفيرة من الخضروات الطازجة ومنتجات الألبان إلى المتاجر الكبرى استعدادًا لموسم الطلب المرتفع.

لكن مؤخراً، بدأت هذه المشاهد تتلاشى تدريجياً، مع تناقص عدد الشاحنات وكميات البضائع التي تصل إلى الأرفف، ما أثار قلق مديري المتاجر وحفّزهم على البحث عن أسباب هذا التراجع اللافت.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على تكساس فقط، بل تتكرر في عدة ولايات أمريكية مثل أوهايو وكاليفورنيا، حيث يشهد المستهلكون تغيراً ملحوظاً في أنماط التسوق، مع تفضيلهم للمتاجر المخفضة والاعتماد على العروض الترويجية، والتقليل من شراء السلع غير الأساسية.

هذه التحولات تعكس واقعاً اقتصادياً أعمق، حيث تستمر الضغوط التضخمية والسياسات التجارية في دفع الأسر لإعادة ترتيب أولويات إنفاقها اليومي.

خلال حملته الانتخابية عام 2024، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخفض أسعار البقالة، مؤكداً أن الأمريكيين سيستطيعون قريباً تحمل تكاليف مشترياتهم الغذائية.

إلا أن الأسعار ظلت مرتفعة بعد الانتخابات، ليشعر أكثر من نصف الأمريكيين بضغوط كبيرة بسبب تكاليف الغذاء، بحسب استطلاع حديث لمركز أبحاث “إيه بي نورك”.

وتشير بيانات أخرى إلى أن أسعار البقالة ارتفعت بوتيرة أسرع مقارنة بالمنتجات الأخرى، مما دفع المستهلكين إلى تعديل سلوكهم الشرائي بشكل واضح، رغم تراجع معدل التضخم عن ذروته التي بلغت 9.4% في 2022. وفي الأشهر الأخيرة، استمر معدل ارتفاع أسعار المواد الغذائية عند حوالي 2.4% سنوياً.

الخبير الاقتصادي ديفيد أورتيغا من جامعة ولاية ميشيغان يؤكد أن هذا الوضع يعكس خيبة أمل كبيرة من وعود خفض الأسعار، بالإضافة إلى حالة عدم اليقين التي تسيطر على الاقتصاد.

لم يعد المستهلكون يكتفون بالتعبير عن انزعاجهم، بل بدأوا في تغيير جذري لطريقة شرائهم:

  • 88% منهم غيّروا عادات التسوق لتقليل التكاليف.

  • 44% تحولوا إلى متاجر أخرى أقل تكلفة.

  • 38% يعتمدون على قوائم تسوق محددة.

  • 59% قللوا من وقتهم خارج المنزل.

خلال موسم الأعياد، لجأ 80% من الأمريكيين لتناول الطعام في المنزل، ما انعكس سلباً على المطاعم ومبيعات الوجبات الجاهزة.

الضغوط لا تقتصر على الطبقات ذات الدخل المنخفض فقط، بل امتدت إلى الأسر ذات الدخل المتوسط والعالي، التي بدأت تضطر إلى تقليص النفقات والبحث عن خيارات أكثر اقتصادية.

وتشير الدراسات إلى أن الأمريكي العادي ينفق الآن حوالي 235 دولاراً أسبوعياً على البقالة، بزيادة تقارب 23% عن خمس سنوات مضت، مع توقعات بمزيد من الارتفاع نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة السابقة.

الشركات الكبرى لاحظت تغيرات في سلوك المستهلكين، مع تزايد شراء الكميات الصغيرة واستخدام القسائم الشرائية، والتركيز على الأساسيات فقط.

على سبيل المثال، شركة كروجر تعمل على زيادة العروض الخاصة وتوسيع تشكيلة المنتجات ذات العلامات التجارية الخاصة لجذب المستهلكين الباحثين عن الأسعار الأقل.

بينما سجلت شركة موندليز انخفاضاً في مبيعاتها بنسبة 3.5% في أمريكا الشمالية بسبب تراجع استهلاك البسكويت، مع تعبير قيادات الشركة عن القلق والإحباط بين المستهلكين بسبب التضخم.

تتزامن هذه التحديات مع تذبذب في ثقة المستهلكين وسط سياسات تجارية متغيرة، خصوصاً في ظل الرسوم الجمركية التي جعلت السلع الأجنبية أكثر تكلفة وأثرت على خيارات المستهلكين.

رغم أن بعض الشركات استطاعت امتصاص هذه الرسوم مؤقتاً، إلا أن تقلص المخزونات وارتفاع التكاليف يُنذر بعودة محتملة لتسارع التضخم، ما يزيد من الضغط على الأسر.

وفي ظل استمرار هذه الظروف، تواجه الأسرة الأمريكية واقعاً جديداً يعيد تشكيل مفهوم الأساسيات في حياتها اليومية.

وبين وعود السياسيين وتحذيرات الخبراء، تبقى معركة الأسعار التي تخوضها العائلات الأمريكية في ممرات المتاجر وعلى موائدهم المنزلية، حيث تُحسم فعلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى