الاقتصادية

أوروبا على مفترق الطرق…أزمة ديموغرافية تهدد الاقتصاد والمجتمع

تواجه أوروبا اليوم واحدة من أعنف الأزمات الديموغرافية في تاريخها الحديث، مع انخفاض غير مسبوق في معدلات الولادة وارتفاع مستمر في نسبة كبار السن، ما يطرح تحديات جسيمة أمام اقتصاداتها وأنظمة رفاهها الاجتماعي.

تشير بيانات يوروستات لعام 2023 إلى تسجيل أدنى عدد مواليد منذ عقود، بانخفاض بلغ 5.4% مقارنة بعام 2022، مع معدل خصوبة لا يتجاوز 1.38 طفل لكل امرأة، وهو أقل بكثير من المستوى المطلوب البالغ 2.1 طفلًا لضمان الاستقرار السكاني.

التوقعات تشير إلى احتمال تراجع عدد سكان الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل إلى 6% بحلول 2100، أي ما يعادل أكثر من 26 مليون نسمة، حتى مع استمرار الهجرة. وفي حال توقف تدفق المهاجرين، قد يشهد الاتحاد انخفاضًا كارثيًا يتجاوز ثلث سكانه الحاليين.

هذا التراجع السكاني يهدد مباشرة سوق العمل، حيث يقلص حجم القوى العاملة ويزيد الضغط على أنظمة الصحة والتقاعد، ما قد يجبر الحكومات على رفع الضرائب، تقليص الخدمات الاجتماعية، أو تمديد سن التقاعد.

و على أرض الواقع، تعاني دول مثل ألمانيا بالفعل من خسائر اقتصادية بمليارات اليوروهات سنويًا بسبب نقص السكان النشطين، فيما تواجه المناطق الريفية موجة هجرة داخلية تؤدي إلى إغلاق المدارس وتدهور البنية التحتية.

تسلط التقارير الأوروبية الضوء على أن الهجرة المنظمة أصبحت ضرورة ملحة لتعويض العجز الديموغرافي. ففي عام 2023، شغل 11.2 مليون عامل من خارج الاتحاد الأوروبي وظائف ضمن سوق العمل الأوروبي، أي ما يقارب 5.7% من القوى العاملة بين 20 و64 سنة.

و يتركز هؤلاء المهاجرون في قطاعات الضيافة والمطاعم، البناء، الخدمات الإدارية، والأعمال المنزلية، حيث يشهد الطلب أكبر نقص.

بالإضافة للهجرة، توصي الدراسات بضرورة تطبيق سياسات تشجع الولادات عبر حوافز مالية ودعم الأسر، واستثمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لسد نقص اليد العاملة، وزيادة مشاركة النساء وكبار السن في سوق الشغل، فضلاً عن تعديل أنظمة التقاعد لتتماشى مع التحولات الديموغرافية.

ويؤكد مركز البحث المشترك (JRC) أن انخفاض معدلات الولادة وبُنية الأعمار هما السبب الرئيسي وراء توقعات تراجع السكان بنحو 5% بين 2023 و2050 إذا لم يتم تعويض هذه الفجوة. وبالتالي، يبدو أن أوروبا أمام خيارين واضحين: إما مواجهة أزمة ديموغرافية واقتصادية خانقة، أو تبني حلول جذرية تضمن استدامة توازنها الاجتماعي والاقتصادي في العقود المقبلة.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى