التكنولوجيا

أوبن إيه آي..تحول الجشع التكنولوجي… كيف أصبح المختبر الخيري أثمن شركة خاصة في التاريخ؟

لم يعد الأمر مجرد تقنية؛ إنه صراع على مصير الابتكار. ما كان يوماً مختبراً تأسس على مبدأ المنفعة العامة، تحوّل اليوم إلى اللاعب الأغلى في تاريخ الشركات الخاصة.

إنه نموذج “أوبن إيه آي”، التي تُوِّجت بتقييم مذهل يلامس نصف تريليون دولار خلال خمس سنوات فقط، لتضع العالم أمام مفترق طرق حاد: أين ينتهي البحث العلمي الثوري وأين يبدأ الجشع التجاري الذي لا يرحم؟

هذا التحول الجذري يُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة وبين الأخلاق ورأس المال.

بدأت قصة الصعود الفلكي مع مشروع “جي بي تي-1” في عام 2018. منذ تلك اللحظة، لم تكتفِ “أوبن إيه آي” بتطوير نماذج لغوية فحسب، بل قامت بترسيخ نفسها كقوة مهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.

البداية والتحول المفصلي: تأسست الشركة في عام 2015 بدعم من شخصيات مؤثرة مثل “إيلون ماسك” و “ريد هوفمان” كمنظمة غير ربحية. إلا أن نقطة التحول الرئيسية حدثت في عام 2019، عندما أعيدت هيكلتها إلى كيان ربحي محدود.

هذا التغيير سمح لها بفتح الأبواب أمام استثمارات ضخمة، أبرزها من “مايكروسوفت”، ما مهّد الطريق لنموها التجاري السريع.

قفزات التقييم القياسية: شهدت قيمة “أوبن إيه آي” ارتفاعات غير مسبوقة:

  • أوائل 2023: 29 مليار دولار.
  • مارس 2025: 300 مليار دولار (بعد جولة تمويلية بقيمة 40 مليار دولار قادتها “سوفت بنك”).
  • أكتوبر الجاري: 500 مليار دولار، متجاوزة بذلك شركات عملاقة مثل “سبيس إكس” و”بايت دانس”، لتصبح رسمياً الشركة الخاصة الأعلى قيمة في التاريخ.

هذا التقييم الهائل ليس مجرد توقعات أو آمال، بل هو رهان واضح على النمو السريع والمستدام لإيرادات الشركة.

  • حصدت الشركة 4.3 مليار دولار من الإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025، مقارنة بحوالي 1.6 مليار دولار في عام 2023 بأكمله.
  • تشير التقديرات إلى أن المعدل السنوي الحالي لإيرادات الشركة يقترب من 20 مليار دولار.

صفقات بيع الأسهم الثانوية: جاء التقييم الأخير بعد بيع أسهم بقيمة 6.6 مليار دولار، تعود ملكيتها لموظفين حاليين وسابقين.

تُعد هذه الصفقات دليلاً قوياً على ثقة المستثمرين في المستقبل المالي للشركة، حيث تسمح للموظفين والمستثمرين الأوائل بتسييل جزء من استثماراتهم قبل أي طرح عام أولي.

البنية التحتية والإنفاق الضخم: تخطط “أوبن إيه آي” لاستثمارات هائلة لتعزيز قدرتها الحاسوبية:

  • التزام بإنفاق 300 مليار دولار على خدمات الحوسبة السحابية من “أوراكل” على مدى السنوات الخمس المقبلة.
  • خطط لإنشاء خمسة مراكز بيانات جديدة بالتعاون مع “أوراكل” و”سوفت بنك” بتكلفة إجمالية تبلغ 500 مليار دولار.
  • إعلان “إنفيديا” عن خطط لاستثمار 100 مليار دولار في مطورة “شات جي بي تي”.

في خضم هذا الصعود المالي، تحاول “أوبن إيه آي” الموازنة بين متطلبات السوق والتزامها الأصلي تجاه البشرية.

التحول إلى “شركة منفعة عامة”: تعمل الشركة على تحويل ذراعها التجاري إلى هيكل “شركة منفعة عامة” فريد من نوعه، يسمح لها بممارسة الأنشطة الربحية وجمع التريليونات اللازمة لتمويل تطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI) بعيداً عن قيود التمويل الخيري.

  • يهدف هذا التعديل الهيكلي إلى ضمان احتفاظ الكيان غير الربحي الأصلي بالسيطرة الإشرافية الكاملة على الشركة الجديدة.
  • سيصبح الكيان غير الربحي مساهماً رئيسياً في الشركة بحصة تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار.
  • تؤكد الشركة أن هذا الهيكل الهجين يهدف لمواءمة الأهداف التجارية مع الالتزام المستمر بضمان أن الذكاء الاصطناعي العام سيخدم الإنسانية جمعاء.

قياس القيمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي: إدراكاً منها بأن الأثر الحقيقي للذكاء الاصطناعي العام يتجاوز المقاييس الأكاديمية، قدمت “أوبن إيه آي” معياراً جديداً للتقييم يُسمى “GDPval”. يهدف هذا المعيار إلى قياس أداء نماذجها على مهام واقعية ذات قيمة اقتصادية عالية عبر 1320 مهمة متخصصة تغطي 44 وظيفة حيوية في أكبر تسعة قطاعات مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.

يمثل التقييم القياسي لـ “أوبن إيه آي” نقطة تحول تاريخية، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يعد مجرد ابتكار تقني، بل قوة اقتصادية هائلة.

لقد تحول هذا التقييم إلى “نبوءة ذاتية التحقق”؛ فكلما ارتفعت قيمة الشركة، زادت قدرتها على جذب الاستثمارات والمواهب والشراكات، ما يعزز هيمنتها على سوق المستقبل.

ومع ذلك، يبرز تحدٍ كبير يلوح في الأفق: الفجوة التمويلية العالمية التي تقدر بـ 800 مليار دولار قد تعزل الشركات الأخرى عن سباق الذكاء الاصطناعي.

حيث يُقدر أن الطلب على القدرة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي سيصل إلى 200 جيجاواط بحلول عام 2030، وهو ما يتطلب استثمارات سنوية بقيمة 500 مليار دولار في مراكز البيانات.

يبقى السؤال المُلِح: هل يمكن للمختبر الذي وُلد بنوايا نبيلة لخدمة البشرية أن ينجح في موازنته الصعبة بين أهدافه الأخلاقية النبيلة وبين الضغوط التجارية الهائلة المصاحبة لهذا التقييم المالي التاريخي؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى