الاقتصادية

أزمة المعلمين العالمية…تهديد حقيقي لمستقبل التعليم وجودته

في إحدى القرى النائية بولاية بيهار الهندية، تستقبل المدارس صباح كل يوم آلاف الأطفال المتلهفين للانطلاق في رحلة التعليم، لكن الحقيقة المؤلمة أن الكثير من هذه الفصول تبقى خالية من المعلمين.

هذه الظاهرة المتكررة ليست حالة محلية فقط، بل تعكس أزمة تعليمية عالمية تهدد مسيرة الأجيال المقبلة.

تشير البيانات الأخيرة إلى وجود 29 مدرسة في الهند بدون أي معلم، وحوالي 354 مدرسة تحتوي على معلم واحد فقط، بينما يوصى بأن يكون الحد الأدنى للمعلمين في المدرسة الابتدائية ثلاثة على الأقل.

وتواجه العديد من الدول نفس المشكلة التي ترتبط بعوامل عدة، منها ضعف سياسات التوظيف، تدني الأجور، قلة فرص التطوير المهني، والظروف العملية الصعبة، مما يؤدي إلى نقص حاد في الكوادر التعليمية.

وفي ظل هذا الواقع، حذرت منظمة اليونسكو من أن العالم سيحتاج إلى 44 مليون معلم إضافي بحلول عام 2030 لضمان تحقيق التعليم الجيد للجميع، وهو تحدٍ هائل يشمل دولاً نامية ومتقدمة على حد سواء.

يتفاقم الوضع أيضًا مع خروج أعداد كبيرة من المعلمين من المهنة بسبب الضغوط النفسية والمالية، مما يرفع من كثافة الفصول الدراسية، ويزيد من عبء العمل على المعلمين القلائل المتبقين، ويرفع تكاليف التدريب والتوظيف.

وتبرز تجارب دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وفنلندا كنماذج ناجحة تمكنت من الحفاظ على جودة التعليم عبر رفع مكانة المعلمين، وتحسين ظروف عملهم، وزيادة رواتبهم، إلى جانب توفير الدعم المهني المستمر، ما جعل التعليم فيها مهنة محترمة وجاذبة.

في المقابل، تكشف الدراسات أن 25% فقط من المعلمين في إنجلترا يشعرون بالتقدير من المجتمع، ونسبة أقل يشعرون بذلك من صانعي السياسات، ما يفسر تفاقم النقص في المعلمين في دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا واليابان.

إن هذه الأزمة ليست مجرد مسألة أرقام، بل هي اختبار حقيقي لمدى قدرة المجتمعات على حماية حق الأجيال القادمة في تعليم نوعي ومستدام، يتطلب إرادة سياسية وجهودًا متواصلة لإعادة بناء منظومة التعليم من أساسها.

النموذج

التوضيح

كاليفورنيا

تواجه كاليفورنيا – شأنها شأن العديد من الولايات الأمريكية – نقصًا مستمرًا في أعداد المعلمين، وتكافح من أجل ملء الشواغر بمعلمين مؤهلين بالكامل، وغالبًا ما تعتمد على معملين غير أكفاء.

لمواجهة ذلك التحدي، استثمرت الولاية الأمريكية أكثر من مليار دولار لدعم قوتها العاملة من المعلمين مع التركيز على زيادة توافرهم في المناطق التي تعاني من النقص، وتحسين القدرة على تحمل تكاليف إعداد المعلمين، وتحفيز المعلمين المهرة على العمل في المدارس ذات الاحتياجات العالية.

وتشير البيانات إلى أن تلك البرامج تكتسب زخمًا، لكنها للأسف تعتمد على تمويل شارف على الانتهاء.

وبناءً على بيانات – طال انتظارها – أصدرتها وزارة التعليم خلال يوليو، أضافت كاليفورنيا 3 آلاف معلم جديد وعددًا كبيرًا من الإداريين الجدد في 2023-2024 خلال الخمس سنوات الماضية، من 282.005 ألفًا في 2019-2020.

ولاية أوكلاهوما

مع تركيز الولاية الأمريكية على نقص المعلمين، تعد جامعة “أوكلاهوما كوليدج” إحدى الجامعات الحكومية التي تبحث أساليب فريدة لتحفيز الطلاب كي يشكلوا الجيل القادم من المعلمين.

صنفت هيئة تنظيم التعليم العالي في الولاية التدريس باعتباره مهنة بالغة الأهمية وتعهدت بتقديم المزيد من الخريجين في هذا المجال.

وتلجأ الجامعات باستمرار لتقديم الحوافز المالية لمعالجة نقص المعلمين، منها برنامج يتيح لطلاب الجامعات المؤهلين للعمل فرصة كسب أكثر من 25 ألف دولار عند إكمال تعليمهم والتدريس في الولاية بعد التخرج.

وعلى مستوى نظام التعليم العالمي بالولاية الذي يضم 25 كلية وجامعة حكومية، منحت ما يقرب من 3100 شهادة في التربية خلال العام الدراسي 2023-2024، بارتفاع عن المستوى الأدنى البالغ حوالي 2700 شهادة في العام الدراسي 2018-2019.

المملكة المتحدة

اتخذت وزارة التعليم خطوات لمعالجة نقص المعلمين من خلال مجموعة من المبادرات، وتوقعت الوزارة أنها قد تحتاج ما بين 8400 و12400 معلم إضافي بحلول العام الدراسي 2028/2029.

خصصت الحكومة في العام الماضي 700 مليون إسترليني (940.75 مليون دولار) لمبادرات لمعالجة نقص المعلمين، لكن البيانات تشير لوجود 4 آلاف وظيفة شاغرة في المدارس الثانوية وبعض الكليات.

إستونيا

تتمتع بنظام تعليمي متميز، ودرست الدولة رواتب معلميها وخلصت لضرورة توفير حوافز مالية أقوى لمهنة التدريس، وبالفعل ارتفعت رواتب المعلمين بنحو 40% في الفترة بين عامي 2016 و2020.

كما تركز على تنويع قاعدة المعلمين من خلال توفير وظائف بدوام جزئي للمتخصصين من مجالات أخرى، وتعيد النظر في طبيعة مهنة التدريس نفسها، وتقديم جداول دراسية أكثر مرونة للمعلمين.

نيوزيلندا

 
خففت قواعد الهجرة لتسريع حصول معلمو المدارس الثانوية الأجانب على الإقامة في البلاد.
 

السنغال

يواجه نظام التعليم في السنغال العديد من التحديات منها نقص المعلمين المؤهلين، وخاصة في مناطق مثل ماتام وكيدوغو وتامباكوندا، حيث احتج الطلاب على تأثير ذلك النقص على دراستهم.

لذلك أعلنت الحكومة في بداية هذا العام خطة طوارىء لتوظيف ألفين معلم، لسد النقص الحاد في عدد المعلمين الذي يصل إلى 4527 معلمًا.

وتعطي معايير التوظيف الأولوية للكفاءة والجاهزية، إذ يجب أن يكون المتقدمون مواطنين سنغاليين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا وعلى استعداد للعمل بأي منطقة بما في ذلك المناطق النائية.

والتزمت الحكومة بدعم المعلمين طوال مسيرتهم المهنية من أجل تحسين مهاراتهم وأدائهم.

ورغم أن حملة التوظيف توفر حلاً فوريًا لكنه ليس دائمًا، ولا تزال البلاد بحاجة لاستراتيجية طويلة المدى، وإصلاحات هيكلية لضمان نظام تعليمي مستدام وكفء للمستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى