مؤشر التنمية البشرية: مقياس لرفاهية الإنسان وسبل تحسينه في المستقبل
مؤشر التنمية البشرية هو أداة تستخدمها الأمم المتحدة لقياس مستوى التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي تحققه الدول، ويعكس درجة رفاهية الإنسان بشكل أكثر شمولية من الأرقام الاقتصادية التقليدية.
تم تطوير هذا المؤشر في عام 1990 بهدف التأكيد على أن الإنسان هو الهدف النهائي للتنمية، وأن التقدم لا يقاس فقط من خلال الأرقام الاقتصادية بل عبر تحسين جودة الحياة.
و يشمل مؤشر التنمية البشرية أربعة أبعاد رئيسية هي: متوسط سنوات التعليم، سنوات التعليم المتوقع، متوسط العمر المتوقع عند الولادة، والدخل القومي الإجمالي للفرد.
ويعتمد هذا المؤشر على تفاعل ثلاثة مكونات أساسية: الصحة والتعليم والدخل، ويقيس كيف يمكن للأفراد أن يعيشوا حياة طويلة وصحية مع فرص تعليمية ومهنية جيدة.
يتم حساب المؤشر عبر دمج هذه المكونات الثلاثة وتطبيعها بحيث تتراوح قيمها بين الصفر والواحد. يتم قياس العمر المتوقع عند الولادة ويُطَبَّع ليكون الصفر عند 20 عامًا والواحد عند 85 عامًا.
أما التعليم، فيتم قياسه باستخدام متوسط سنوات التعليم وسنوات التعليم المتوقع، مع تطبيع القيم وفق المعايير التعليمية العالمية. وفيما يخص مستوى المعيشة، يتم قياسه من خلال الدخل القومي الإجمالي للفرد ويتم تطبيعه بناءً على تعادل القوة الشرائية.
احتلت سويسرا المرتبة الأولى في مؤشر التنمية البشرية لعام 2023/2024، تلتها النرويج وأيسلندا وهونج كونج والدنمارك في المراتب العليا.
وفي المقابل، سجلت بعض الدول الأفريقية مثل الصومال وجنوب السودان أقل الدرجات، مما يبرز التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الدول في مجالات الصحة والتعليم والدخل.
يُعتبر هذا المؤشر أداة فعّالة لتوجيه السياسات العامة. فإذا كانت الدول متساوية في نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لكن متفاوتة في مؤشر التنمية البشرية، فإن ذلك يشير إلى وجود فجوات في مجالات التعليم والصحة والفرص الاقتصادية تتطلب معالجات سياسية متخصصة.
و يمكن للسياسات العامة المدروسة أن تسهم في تحسين هذه المجالات وبالتالي تحسين نوعية الحياة.
رغم أهمية المؤشر، إلا أن بعض الانتقادات توجه له لعدم قدرته على تقديم صورة كاملة عن جودة الحياة. فهو يركز على الجوانب الاقتصادية والصحية والتعليمية فقط دون أن يشمل مؤشرات مهمة مثل التوزيع العادل للثروة، والمساواة بين الأفراد، والحريات الأساسية، والاستدامة البيئية، وهي جوانب أساسية لجودة الحياة.
و في ظل الانتقادات، ظهرت دعوات لتطوير مؤشرات جديدة تعكس جوانب أخرى من الحياة مثل الاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية، والتوازن بين النمو الاقتصادي ورفاهية الأفراد. بعض المقترحات تشمل دمج معايير جديدة مثل التوزيع العادل للثروة وجودة التعليم ورعاية كبار السن.
و يعد مؤشر التنمية البشرية مقياسًا مهمًا لمقارنة مستويات التقدم بين الدول، فهو يعكس العلاقة بين الصحة والتعليم والدخل ويقدم صورة شاملة عن رفاهية الأفراد.
ومع ذلك، يجب استخدامه بحذر نظرًا لأن هناك مؤشرات أخرى لا تقل أهمية في تقديم صورة أكمل عن واقع الدول. ولذا، فإن تحديث هذا المؤشر وتطويره ليشمل أبعاد إضافية يعد أمرًا ضروريًا لضمان أنه يعكس كافة جوانب التنمية البشرية وحقوق الإنسان.