لماذا فقد النفط كل مكاسبه منذ بداية الصراع في الشرق الأوسط؟
تتواصل الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط منذ أكثر من شهر، الأمر الذي كان يثير المخاوف في بداية الأزمة بشأن إمدادات النفط من المنطقة
لكن الخام تحول إلى الهبوط في الأسابيع الأخيرة، ليفقد كل مكاسبه المسجلة منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” , حيث شهدت أسعار النفط خسائر قوية في الأسابيع الأخيرة، رغم استمرار التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط
و تراجعت أسعار النفط بنحو 4% خلال الأسبوع الماضي، لتفقد حوالي 12% منذ الذروة المسجلة بعد بداية الصراع , و تعرضت أسعار النفط لخسائر في ثلاثة أسابيع متتالية، في أطول موجة هبوط منذ شهر ماي الماضي
و كان عقد تسليم الشهر التالي لخام برنت يتداول عند 84.58 دولار للبرميل في السادس من شهر أكتوبر الماضي، قبل بدء الأزمة في الشرق الأوسط , و ارتفعت أسعار النفط بشكل قوي بعد بدء الصراع، ليتجاوز خام برنت مستويات 93 دولارًا للبرميل
لكن أسعار الخام تحولت للهبوط لاحقاً، ليتداول برنت أقل من مستويات ما قبل الأزمة بنحو 2%. كما أنهى عقد تسليم الشهر التالي من خام برنت تعاملات الثالث عشر من نونبر الجاري عند 82.52 دولار للبرميل
و يتداول برنت أقل بنحو 4% من مستوياته المسجلة في بداية العام الجاري، كما يظل الخام الأمريكي منخفضاً بأكثر من 2% منذ بداية 2023
و قال محللون إن السبب الرئيسي وراء تراجع أسعار النفط رغم الأزمة الجيوسياسية هو أن الحرب الدائرة لم تتسبب في انقطاع يذكر في إمدادات الخام
و ذكر “ريتشارد برونز” رئيس الشؤون الجيوسياسية في “إنرجي أسبكتس” أنه بينما يدرك المتداولون أن هناك مخاطر متزايدة، فإنها لم تؤد إلى الكثير من عمليات الشراء الاحترازية للنفط
إذ لا تعتبر أطراف الصراع الحالي في الشرق الأوسط من المنتجين الرئيسين للنفط، وهو ما تسبب في عدم وجود اضطرابات في المعروض من الخام
و يعتقد “رعد القادري” المدير الإداري للطاقة والمناخ في مجموعة أوراسيا المتخصصة في المخاطر السياسية أنه من غير المرجح أن ترتفع أسعار النفط ما لم يحدث اختفاء فعلي لجزء من المعروض جراء الاضطرابات
كما أن حدوث تراجع في إمدادات الخام يتطلب اتساع نطاق الصراع ليشمل دولاً أخرى في الشرق الأوسط
لكن “برونز” يشير إلى أنه من المرجح أن يظل الصراع تحت السيطرة وألا يمتد إلى كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط أو ممرات الشحن الرئيسية
و لم يقتصر سبب هبوط أسعار النفط على هدوء المخاوف الجيوسياسية فحسب، لكن تصاعد القلق حيال الطلب ساهم أيضًا في زيادة الضغوط على الخام
و أعلنت الصين بيانات اقتصادية ضعيفة في الأسبوع الماضي، ما زاد القلق بشأن الطلب على النفط من جانب أكبر مستهلك في العالم
و توقعت إدارة معلومات الطاقة انخفاض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة في عام 2024 بسبب زيادة كفاءة محركات المركبات وتزايد أعداد السيارات الكهربائية
كما تثير السياسة النقدية بعض المخاوف أيضًا، حيث قالت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو “ماري دالي” إنها ليست مستعدة للإشارة إلى ما إذا كان البنك المركزي قد انتهى من رفع معدلات الفائدة
و في تصريحات “دالي” جاءت لتؤكد حديث “جيروم باول” رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي والتي أشار فيها إلى أن البنك ليس واثقاً بأنه فعل ما يكفي للسيطرة على التضخم
و من شأن معدلات الفائدة المرتفعة أن تضغط سلبياً على النمو الاقتصادي، ما يهدد بخفض الطلب على النفط
و ذكر بنك “باركليز” أن الهبوط الأخير في أسعار النفط مدفوع بشكل كبير بعودة المخاوف بشأن الطلب وليس تلاشي علاوة المخاطر الجيوسياسية
كما يرى محللون في “كوميرزبنك” أن المخاوف بشأن الطلب على النفط تفوقت على القلق حيال نقص الإمدادات بفعل الصراع في الشرق الأوسط
و لا تبدو الصورة في سوق النفط سلبية بالكامل، حيث تظهر بعض الإشارات الإيجابية حيال آفاق الطلب
و أكدت “أوبك” في تقريرها الشهري الأخير رؤيتها بشأن قوة أساسيات سوق النفط، مع توقعات بارتفاع واردات الصين من الخام لمستوى قياسي جديد في 2023 بعد تسجيل 11.4 مليون برميل يومياً في أكتوبر الماضي
و قالت “أوبك” إن البيانات الأخيرة تؤكد الاتجاهات القوية للنمو العالمي، بالإضافة إلى أساسيات سوق النفط الجيدة
كما رفعت منظمة الدول المصدرة للنفط توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في العام الجاري بنحو 20 ألف برميل ليصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، بفضل زيادة تقديرات الطلب الصيني
و عن 2024، ثبتت “أوبك” توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط عند 2.2 مليون برميل يومياً
كما أبدى بنك “باركليز” تفاؤله حيال الطلب من جانب الصين، حيث رفع توقعاته لاستهلاك بكين من النفط بمقدار 200 ألف برميل يومياً في العام الجاري، و300 ألف برميل يومياً في 2024
و تترقب الأسواق اجتماع الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” والحلفاء من خارجها في السادس والعشرين من شهر نونبر الجاري
كما أكدت السعودية مؤخرًا التزامها بخطة خفض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل يومياً حتى نهاية العام الجاري، كما أشارت روسيا إلى أنها ستواصل تقليص صادرات الخام 500 ألف برميل يومياً لنهاية 2023
و يبدو المسار المستقبلي لسوق النفط متبايناً في أعين المحللين وبنوك الأبحاث، مع الرؤى المختلفة لتطورات الطلب والمعروض
كما خفض بنك “باركليز” توقعاته لسعر خام برنت في العام المقبل بمقدار 4 دولارات ليصل إلى 93 دولارًا للبرميل.
و برر البنك توقعاته بقوة إمدادات النفط من الولايات المتحدة، وارتفاع إنتاج فنزويلا بعد تخفيف العقوبات الأمريكية
كما خفضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في تقريرها الأخير توقعاتها لأسعار النفط على مدى العام المقبل
و تتوقع الإدارة الأمريكية وصول متوسط سعر خام برنت إلى 93.24 دولار للبرميل في 2024، بهبوط 1.8% عن التقديرات السابقة
كما خفضت إدارة معلومات الطاقة توقعاتها لسعر خام نايمكس إلى 89.24 دولار للبرميل، ما يمثل تراجع 1.8% عن التقديرات السابقة
بينما أكدت “كابيتال إيكونومكس” توقعاتها السابقة بأن يُنهي خام برنت العامين الجاري والمقبل عند حوالي 85 دولارًا للبرميل.
في حين يرى محللو “رويال بنك أوف كندا” أن سوق العقود الآجلة للنفط يبدو في منطقة ذروة البيع حالياً
و أشار المحللون إلى أنه رغم احتمالية وجود بعض الاتجاه الصعودي على المدى القصير لأسعار النفط، فإن المخاوف حيال تباطؤ الطلب قد تخفف الحماس بشأن حدوث ارتفاعات كبيرة للأسعار في الأسابيع المقبلة