المغرب يخطو نحو الطاقة النووية بتطوير المفاعلات الصغيرة كحل لمواجهة تحديات الطاقة والمياه
يواصل المغرب سعيه لتحقيق استقلال طاقي أكبر من خلال تطوير المفاعلات النووية الصغيرة، وهو خطوة هامة نحو تلبية احتياجات المملكة من الطاقة والمياه بطرق مستدامة.
بدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتمتع المغرب بفرصة قوية ليصبح لاعبًا رئيسيًا في مجال الطاقة النووية السلمية، لكن نجاح هذه المبادرة يتوقف على توفير الإمكانيات التقنية والاقتصادية اللازمة، وضمان الالتزام بأعلى معايير السلامة والأمن النووي.
في ظل الأزمات المتزايدة المتعلقة بالطاقة النظيفة وإدارة موارد المياه، يسعى المغرب إلى استخدام التكنولوجيا النووية المتقدمة لتطوير المفاعلات النووية النمطية الصغيرة (SMR).
و يهدف هذا المشروع الطموح إلى تلبية احتياجات المملكة من الطاقة والمياه بشكل مستدام، خصوصًا في ظل أزمة الجفاف المستمرة التي تهدد القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة.
و تأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتعزيز مشروعات تحلية مياه البحر.
خلال الدورة الـ68 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، أكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن المغرب يتطلع إلى استخدام المفاعلات النووية الصغيرة والمتوسطة لأغراض سلمية، خاصة في مجال تحلية مياه البحر.
و تأتي هذه الخطوة في وقت يتعرض فيه المغرب لأزمة جفاف طويلة الأمد، مما دفع المملكة إلى اعتماد استراتيجيات تعتمد على محطات تحلية المياه لمواجهة نقص المياه المتزايد.
وأوضحت بنعلي أن المغرب يسعى إلى الاستفادة من المشاريع الدولية التي تدعمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعزيز سياسات المياه في المملكة.
وفي هذا السياق، قدم المغرب هذا العام قرارًا لمجموعة الـ77 يهدف إلى اعتماد خطة لإنتاج مياه الشرب باستخدام المفاعلات النووية الصغيرة والمتوسطة، مما يعكس التزام المملكة بتعزيز التعاون الدولي في مجال تحلية المياه باستخدام تقنيات متقدمة.
تتميز المفاعلات النووية النمطية الصغيرة (SMR) بقدرتها على توليد الكهرباء بطريقة مستدامة ومنخفضة الكربون، مع استخدامها المتعدد في تحلية المياه وإنتاج الهيدروجين. هذه المفاعلات الصغيرة تتمتع بكفاءة عالية وحجم صغير، مما يجعلها مناسبة للمناطق الصناعية والمدن المتوسطة الحجم.
تمثل المفاعلات الصغيرة تحديًا استراتيجيًا جديدًا بفضل نمطيتها في تصنيع وتجميع مكوناتها، مما يسهم في تقليل تكلفة بناء المحطات النووية مقارنة بالمفاعلات التقليدية.
في إطار جهودها لتطوير قطاع الطاقة النووية، تسعى المغرب إلى تعزيز شراكاتها مع الدول الرائدة في هذا المجال، بما في ذلك فرنسا. خلال زيارة وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير، إلى المغرب، تم تقديم عرض لشراكة بين البلدين لتطوير المفاعلات النووية النمطية الصغيرة، مما يعكس عمق التعاون العلمي والصناعي بين المغرب وفرنسا في مجال التكنولوجيا النووية.
وأشار لومير إلى أن الطاقة النووية تعتبر مجالًا استراتيجيًا لفرنسا، وأعرب عن استعداد بلاده للتعاون مع المغرب في تطوير المفاعلات النووية الصغيرة، مما سيمكن المغرب من الاستفادة من التكنولوجيا الفرنسية في هذا المجال الحساس.
وأوضح الوزير الفرنسي أن هذه المفاعلات ستكون قادرة على تلبية احتياجات المدن المتوسطة والمناطق الصناعية في المغرب، مما يعزز البنية التحتية الطاقية للبلاد.
إن تطوير الطاقة النووية في المغرب ليس مشروعًا جديدًا، بل هو استمرار لطموح طويل الأمد بدأ منذ الحقبة الاستعمارية. ورغم التحديات الجيوسياسية والتكنولوجية التي حالت دون تحقيق هذا الطموح في ذلك الوقت، فإن المغرب يواصل سعيه لتحقيق هذا الهدف.
من بين أبرز التحديات التي تواجه المغرب في هذا المجال تأمين الوقود النووي، حيث تحتاج المحطات النووية المتوسطة إلى نحو 200 طن من اليورانيوم الطبيعي سنويًا.
وفي هذا السياق، وقع المغرب اتفاقية مع روسيا في أكتوبر 2022 لتقديم الدعم التقني والعلمي في مجال إدارة الوقود النووي والنفايات.
ورغم أن المغرب يمتلك إمكانيات لاستخراج اليورانيوم من الفوسفات، فإن تحويل هذا المورد إلى طاقة نووية يتطلب استثمارات ضخمة وبنية تحتية متقدمة.
وتظل تكلفة بناء محطات الطاقة النووية مرتفعة، حيث تقدر تكلفة إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء بنحو 10 إلى 15 مليار دولار. ومع ذلك، توفر المفاعلات النمطية الصغيرة بديلاً اقتصاديًا أكثر قابلية للتطبيق، حيث يمكن أن توفر كميات كبيرة من الكهرباء بتكلفة أقل.
تعتبر تقنية المفاعلات النووية الصغيرة حلاً مثاليًا لمواجهة تحديات الطاقة والمياه في المغرب، مما يوفر حلولًا متكاملة تعزز الاستدامة البيئية وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وفي إطار استعدادها لتطوير مشاريعها النووية، أنشأت المملكة الوكالة المغربية للسلامة والأمن النووي والإشعاعي في عام 2014، وهي هيئة مستقلة تهدف إلى ضمان تطبيق أعلى معايير السلامة والأمن النووي.