الاقتصادية

كيف تستعد الصين لجعل إفريقيا الملاذ الآمن للبشرية هربًا من سيناريو “إنترستيلر”؟

بعد سنوات من تقاعده وبدء حياة هادئة في الريف الأمريكي، حيث كان يدير مزرعة عائلته مترامية الأطراف، يجد رائد الفضاء السابق “جوزيف كوبر” نفسه أمام مهمة جديدة “شبه مستحيلة” خارج كوكب الأرض لإنقاذ البشرية.

في فيلم “إنترستيلر” أو “بين النجوم”، وبخلاف معظم قصص هوليوود التي تتحدث عن غزو فضائي أو كويكب ضخم مدمر، كان “كوبر” الذي جسد شخصيته الممثل “ماثيو ماكونهي”، يسعى للعثور على كوكب صالح للعيش بعد إشارات على تراجع مقومات الحياة على الأرض.

الفيلم الصادر عام 2014 ويُصنف بين أفضل 20 فيلمًا في التاريخ، استند إلى “نظريات فيزيائية” فيما يتعلق بالكثير من أحداث السفر في الفضاء، لكنه أيضًا استند إلى بعض الحقائق حول تدهور الأراضي بما يؤثر على إنتاج المحاصيل الزراعية.

39db3697 f1b9 41c7 b79a a465fd7498f0 Detafour

وفقًا لتقرير صدر عام 2013 عن الأمم المتحدة، تسارعت وتيرة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف على مستوى العالم خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، وعلى مدار السنوات الأربعين الماضية، فقد العالم ثلث أراضيه الصالحة للزراعة بسبب التآكل والتدهور.

وقالت “مونيك باربو”، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، عام 2016، إن فقدان الأراضي يزداد حدة ولا يقل، مضيفة: “نخسر المزيد من الأراضي، نحو 120 ألف كيلومتر مربع كل عام، والوضع يزداد سوءًا”.

التشابه بين بعض الحقائق الواردة في الفيلم والواقع لم يكن مصادفة أو من خيال المؤلف، حيث تحدث عنه العلماء مرارًا، ومن بينهم “فنغ وانغ”، الأستاذ المشارك في معهد دراسات التصحر في الأكاديمية الصينية للغابات.

وفي وصفه لظاهرة التصحر السريع في الصين قال “وانغ” في مقابلة قبل 7 سنوات من الآن: “يشبه الأمر بداية فيلم ’إنترستيلر‘ حيث تهب الرياح القوية والرمال في كل مكان، حتى داخل المباني”.

وأضاف “وانغ” أن الفيلم يصف حقيقة عاشها أشخاص حقيقيون في شمال غرب الصين خلال الثمانينيات والتسعينيات، عندما أجبر الجفاف الشديد العديد من السكان على المغادرة والبحث عن وظائف أفضل في المدن.

ومع ذلك، فإن الصين لم تكل من مقاومة الظاهرة الخطيرة التي قد تتحول إلى تهديد وجودي للبشرية جمعاء، ورغم أنها لم تبدأ في البحث عن كوكب جديد مثلما عرض الفيلم، فإنها شرعت في جهود استثنائية للنجاة، بينها البحث عن أراض صالحة خارج حدودها.

82b3dcae 6552 463b a4c0 eebe3c70cf6d Detafour

ماذا يحدث في الصين؟

– في عام 2017، صنفت نحو 27% من مساحة الصين كأراض صحراوية تؤثر على حياة 400 مليون شخص، على الرغم من الجهود الفريدة التي أطلقتها حكومة البلاد لمنع التصحر وزيادة الرقعة الخضراء في البلاد.

– يرجع السبب الحقيقي في تأثير عملية التصحر على حياة هؤلاء السكان، إلى العواصف الشديدة التي تتكرر بشكل متزايد فتدمر المحاصيل وتلحق الضرر بالبنية الأساسية، علاوة على الجفاف والظروف الأخرى غير المواتية للعيش.

– يقول “وانج” إن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الصين، هي عدد السكان الضخم الذي يعيش في الأراضي الجافة، بما يتجاوز القدرة البيئية لهذه المناطق على تحملهم.

– في عام 1994، بدأت إدارة الغابات في الصين في مراقبة حالة التصحر على المستوى الوطني، وتُظهِر أبحاثها أن الصحارى توسعت في الصين من عام 1994 إلى عام 1999، لكنها تقلصت من عام 1999 إلى عام 2014.

– مع ذلك، يشكك بعض العلماء في موثوقية بيانات الحكومة الصينية، مشيرين إلى تناقضات وأوجه قصور في المنهجية التي تتبناها الجهات العلمية التابعة لبكين.

– لكن المشكلة ليست فريدة من نوعها في الصين، حيث يتشكل 24.1% من سطح الأرض من أراضٍ صحراوية، والتي تعد موطنا لحوالي سدس سكان العالم، وفقًا لما ذكره “وانج” في 2017.

– على جانب آخر، ووفقًا لموقع “إيرث دوت أورج”، فإن حجم الأراضي الجافة تغطي 40% من مساحة اليابسة حول العالم أو 54 مليون كيلومتر مربع، وأكثر من نصف هذه المساحة في آسيا وإفريقيا وتتزايد باستمرار.

446d409f dbf7 4396 bcb8 6ecb7f9b32bf Detafour

كيف تواجه الصين الأزمة؟

– في يونيو الماضي، قالت الإدارة الوطنية للغابات والمراعي، إن الصين عالجت 220 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الرملية في أكثر من 10 سنوات، كما عالجت 53% من الأراضي الرملية القابلة للاستصلاح بشكل فعال.

– ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية “لين جيان” أن بلاده هي أول دولة في العالم تحقق “تدهورًا صفريًا صافيًا” للأراضي وتقلل من التصحر وانتشار الرمال، ما يقدم مساهمة مهمة في تحقيق الهدف العالمي المتمثل في معدل تدهور أراضٍ صافٍ صفري بحلول عام 2030

–  جاء ذلك بعدما أكمل برنامج واسع النطاق في شمال البلاد، تشجير ما مجموعه 320 ألف كيلومتر مربع من الأراضي، ومعالجة 850 ألف كيلومتر مربع من الأراضي العشبية المتدهورة.

– استخدمت الصين العديد من الاستراتيجيات والتقنيات لتحقيق أهدافها، بما في ذلك طريقة “ألواح الشطرنج القشية” لمنع الرمال من التحرك مع الرياح، وأيضًا البكتيريا الزرقاء المزروعة في المختبر لتشكيل قشور التربة بسرعة فائقة، وتطوير زراعة القشة بكفاءة أكبر.

– تشير التقديرات إلى استثمار الصين 100 مليار دولار لإعادة تأهيل الغابات بين 1998 و2014، بمشاركة 20% من سكان الريف، وبلغت مساحة الغابات في البلاد 22.2% في عام 2015 ارتفاعًا من 16.7% في 1990، مع هدف يبلغ 30% بحلول عام 2050.

– مع ذلك، كان ربيع عام 2023 لا يُنسى، حتى بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا العيش بالقرب من الصحراء، حيث اجتاح المنطقة أكبر عاصفة رملية منذ عقد، ما أثار شكوكًا في جهود السيطرة على الصحراء.

– في كل عام، تتجاوز الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن التصحر 54 مليار يوان (7.6 مليار دولار)، ويتأثر مئات الملايين أو 30% من السكان بشكل مباشر أو غير مباشر بمشكلة التصحر، وفقًا للإدارة الوطنية للغابات.

– خلال الربيع ينقل الهواء البارد والرياح العاتية كميات كبيرة من رمال الشمال لتغمر بكين وتيانجين والمدن في جميع أنحاء مقاطعة خبي، وكان عام 2023 هو الأعنف من حيث نشاط العواصف منذ 10 سنوات، وفقًا للأكاديمي “هوانغ جيان بينج” من الأكاديمية الصينية للعلوم.

– في ظل هذا التخبط حول نتائج السياسات الصينية، كان هناك توجه واضح من الصين للاستثمار في الأراضي الإفريقية (ومناطق أخرى)، ومشاركة تقنيات منع التصحر، في خطوة يراها البعض محاولة استباقية لتأمين إمدادات الغذاء والحد من تأثير التغيرات المناخية التي تؤذي البلاد بشكل كبير.

c538127f 0d0d 40a9 9204 d5ff98568900 Detafour

ماذا تريد الصين من إفريقيا؟

– في عام 2009، قالت صحيفة “الجارديان” إن مليون مزارع صيني انضموا للاستفادة من جهود بلادهم الاستثمارية في إفريقيا، حيث تسارع الدول الغنية (غربية وشرقية) لشراء أو استئجار الأراضي في البلدان الفقيرة من أجل تلبية الطلب المتزايد على الغذاء والوقود.

– أشارت الصحيفة آنذاك إلى شراء أو تأجير نحو 6.2 مليون فدان (الفدان حوالي 4200 متر مربع) في 5 دول بمنطقة جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات الخمس السابقة، بتكلفة بلغت 920 مليون دولار، حيث يركز المستثمرون على الأراضي الصالحة للزراعة والاستصلاح.

– منذ عام 2005، بدأ الباحثون من معهد شينجيانج للبيئة والجغرافيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم يشاركون تقنيات مكافحة التصحر الصينية مع دول آسيا الوسطى وإفريقيا من خلال ورش العمل والممارسة الميدانية.

– تمثل إفريقيا نحو 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ومعظم بلدانها لا تنتج 25% من المحصول المحتمل، فيما ساعدت الصين دول المنطقة في تطوير 300 تقنية زراعية استفادت منها مليون أسرة من أسر المزارعين في إفريقيا.

– أثار ذلك مزاعم غربية بأن الصين تجري “عمليات استيلاء ناعمة على الأراضي”، بما يثير مخاوف بشأن الفساد وإعادة توطين السكان وحتى “استعمار جديد لإفريقيا”، وهي ادعاءات توصف بـ “المبالغ فيها” خاصة أن إفريقيا لا توفر الغذاء لجميع سكانها الآن، لكن الأمور تتغير مع الوقت.

– المساحة الإجمالية للقارة يبلغ 1.2 مليار فدان إنجليزي، منها 71% مغطاة بالأرض و29% بالمياه، وتبلغ مساحة الأراضي التي تمتلكها الصين 465 ألف كيلومتر مربع، وفقًا لبيانات “أفريكان لاند” وهي شركة متعددة الجنسيات متخصصة في الاستثمار بالأراضي والعقارات داخل إفريقيا.

– منطقة الساحل على سبيل المثال، غنية بالموارد الطبيعية مثل النفط واليورانيوم والغاز الطبيعي والليثيوم، وتعمل الشركات الصينية في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو، يضاف لذلك التعاون الأمني ​​في شكل مبيعات الأسلحة، وأخيرًا، فإن تزايد نفوذ الصين وروسيا يأتي على حساب تراجع الوجود الغربي.

– بعض الأبحاث والدراسات المناخية والجيولوجية، تشير إلى أن منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا كانت في السابق خضراء وغنية بالنباتات بالفعل، فيما يتوقع خبراء تزايد هطول الأمطار بهذه المنطقة في ظل الاحتباس الحراري.

– تشير تقديرات معهد “بوتسدام” الألماني لأبحاث تأثير المناخ، إلى أن تغير المناخ سيؤدي إلى تحويل إحدى أكثر المناطق جفافًا في إفريقيا إلى منطقة شديدة الرطوبة، وتظهر عمليات المحاكاة زيادة كبيرة (50% بحلول عام 2040) في هطول الأمطار الموسمية في منطقة الساحل.

– بحسب دراسة نشرها المعهد في 2022، فإن مناطق مثل الأجزاء الوسطى من مالي والنيجر وتشاد، التي تشكل عمليًا جزءًا من الصحراء الكبرى، ستستقبل كميات من الأمطار تعادل تلك المسجلة اليوم في وسط نيجيريا أو شمال الكاميرون التي تتمتع بمناخ استوائي غني بالنباتات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى