ضبابية تُحيط بآفاق الأسهم العالمية وسط مخاوف جيوسياسية ونقدية
شهدت أسواق الأسهم العالمية حالة من التراجع خلال الأيام الأخيرة، بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية ومخاوف استمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول.
ويترقب المستثمرون استمرار موسم نتائج أعمال الشركات وتطور التضخم عالمياً، لتقييم مدى إمكانية تعافي أسواق الأسهم خلال الفترة المقبلة.
خسائر حادة مستمرة
– تعرضت أسواق الأسهم العالمية لموجة من الخسائر القوية خلال الأيام الأخيرة، بعد مكاسب قوية دفعتها لتسجيل مستويات قياسية في الربع الأول من هذا العام.
– انخفض مؤشر “إم إس سي إي” للأسهم العالمية يوم الجمعة الماضي لأدنى مستوياته في شهرين.
– في الولايات المتحدة، تراجع مؤشرا “إس آند بي 500″ و”ناسداك” المركب للجلسة السادسة على التوالي بنهاية تعاملات الجمعة الماضية، في أطول سلسلة خسائر في أكثر من عام.
– في الأسبوع الماضي، سجل مؤشر “إس آند بي 500” خسائر تتجاوز 3%، في أكبر وتيرة هبوط منذ مارس 2023، ومسجلًا ثالث خسائره الأسبوعية على التوالي.
– حالياً، يبتعد مؤشر “إس آند بي 500” للأسهم الأمريكية بنحو 5% عن أعلى مستوياته على الإطلاق والمسجل في وقت سابق من هذا العام.
– كما انخفض مؤشر “ناسداك” المركب بنسبة 5.5% في الأسبوع الماضي، مسجلًا رابع أسبوع متتال من الهبوط، في أطول موجة تراجع منذ ديسمبر 2022.
– قادت أسهم التكنولوجيا خسائر السوق الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، حيث هبط سهم “إنفيديا” المصنعة للرقائق بحوالي 10% يوم الجمعة الماضي وحده، في أكبر هبوط يومي منذ مارس 2020.
– فقدت “إنفيديا” نحو 212 مليار دولار من قيمتها السوقية يوم الجمعة، في ثاني أكبر خسارة لأي شركة أمريكية على الإطلاق، بحسب بيانات “داو جونز ماركت”.
– كما انخفض سهم “سوبر مايكرو كمبيوتر” بنحو 23% يوم الجمعة، وانخفض سهم “ميكرون تكنولوجي” بحوالي 4.6%.
– على جانب مواز، ارتفع مؤشر “سي بي أو إي” لقياس التقلبات في وول ستريت والذي يُطلق عليه مؤشر الخوف لأعلى مستوياته منذ أكتوبر الماضي.
– بينما في أوروبا، انخفض مؤشر “ستوكس 600” الأوروبي بأكثر من 1% خلال الأسبوع الماضي، في أكبر هبوط أسبوعي منذ منتصف يناير.
توترات ومخاوف متصاعدة
– تضررت الأصول الخطرة مؤخرًا من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بعد هجمات إيرانية ضد إسرائيل.
– شنت إيران هجمات عبر أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ ضد مناطق في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الأسبوع الماضي، ردًا على هجمة إسرائيلية استهدفت سفارتها في سوريا.
– لكن بعد أيام من الهجوم الإيراني، تعرضت مدينة أصفهان لعملية جوية مجهولة، بينما ذكرت تقارير أن تل أبيب كانت وراء الهجوم.
– قال “جورج بول” رئيس مجلس إدارة “ساندرز موريس” إن المستثمرين شعروا ببعض الراحة بعد الرد الهادئ نسبياً من جانب إسرائيل على الهجمات الإيرانية التي تعرضت لها قبل أسبوع.
– لكن “بول” أشار إلى أنه مع ذلك، لا يزال المستثمرون على حافة الهاوية إلى حد كبير، مع حقيقة أنهم أصبحوا أكثر وعياً بتأثير المخاطر الجيوسياسية في عملية صنع القرار.
– بالإضافة إلى المخاطر الجيوسياسية، ساهم التضخم المستمر عند مستويات مرتفعة وتوقعات تأجيل خفض معدلات الفائدة من جانب البنوك المركزية الكبرى – خاصة الفيدرالي الأمريكي – في وضع ضغوط هبوطية على أسواق الأسهم العالمية.
– في بداية هذا العام، كانت الأسواق المالية تتوقع ست عمليات خفض للفائدة الأمريكية خلال عام 2024.
– لكن أداة “فيد واتش” تشير حالياً إلى أن أول عملية خفض للفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي قد لا تحدث قبل اجتماع الثامن عشر من شهر سبتمبر المقبل، مع القيام بعمليتي خفض فقط هذا العام.
– قال صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي الصادر الأسبوع الماضي إن معدلات الفائدة الأمريكية قد تنخفض بشكل أبطأ مما تتوقعه الأسواق حالياً.
– بينما قام “جولدمان ساكس” بتأجيل توقعاته لموعد بدء خفض الفائدة الأمريكية إلى يوليو بدلًا من يونيو، مشيرًا إلى استمرار نهج تباطؤ التضخم.
– لكن لا يزال “سيتي جروب” يتوقع أن يبدأ الفيدرالي الأمريكي خفض معدلات الفائدة في يونيو أو يوليو المقبلين، مع خفضها عدة مرات هذا العام.
– تعتمد توقعات “سيتي جروب” على أن بيانات التضخم خلال الأشهر المقبلة ستشكل مفاجأة سارة لصناع السياسة النقدية وقد تظهر تباطؤا لوتيرة ارتفاع الأسعار.
– ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي 3.5% في مارس الماضي على أساس سنوي، ليسجل ثالث ارتفاع شهري بأكثر من التوقعات.
– يرى “بيل نورثي” مدير الاستثمار في “يو إس بنك ويلث مانجمنت” أن هناك العديد من التيارات المتقاطعة التي يحاول السوق استيعابها.
– ذكر “نورثي” أن التضخم بشكل خاص كان أكثر إشكالية مما كانت تتوقعه الأسواق أو حتى من توقعات الاحتياطي الفيدرالي.
– كما قال “مارك هاكيت” المحلل في “نيشن وايد” إن عدم اليقين بشأن التوترات الجيوسياسية ينضم إلى مخاوف التضخم ومعدلات الفائدة في الضغط على الأسواق، ما قد يؤدي إلى تحول سريع وكبير في طبيعة الأسواق وموقف المستثمرين.
– ذكر محللو “بنك أوف أمريكا” أن المستثمرين يقومون بسحب أموالهم من صناديق الأسهم، حيث إن الاقتصاد الأمريكي القوي والتضخم المستمر يغذيان المخاوف من أن الفيدرالي سيبقي الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
– سحب المستثمرون 21.1 مليار دولار من صناديق الاستثمار في الأسهم على مدى الأسبوعين الماضيين المنتهيين يوم الأربعاء، في أكبر وتيرة تخارج منذ ديسمبر 2022.
سيناريو اللاخفض
– لم تكتف الأسواق بتوقعات تأجيل خفض الفائدة الأمريكية هذا العام، لكن بعض الأصوات بدأت تتعالى بالحديث عن احتمالات عدم خفضها نهائياً في 2024.
– في الأسبوع الماضي، وصلت احتمالية عدم خفض الفائدة الأمريكية إلى 11%، وهي احتمالية لا يمكن تجاهلها حالياً.
– قال محللو “بنك أوف أمريكا” إن هناك خطرا حقيقيا بأن الفيدرالي الأمريكي لن يخفض معدلات الفائدة قبل مارس 2025 على الأقل، رغم أن السيناريو الأساسي للبنك لا يزال يشير إلى عملية خفض واحدة هذا العام في شهر ديسمبر المقبل.
– يرى محللو البنك أن صناع السياسة لن يشعروا بالارتياح لبدء دورة خفض الفائدة في يونيو أو حتى سبتمبر المقبلين، مع حقيقة أن البيانات الاقتصادية لا تدعم هذا التوجه.
– أبدى الكثير من أعضاء لجنة السوق المفتوحة في الفيدرالي الأمريكي عدم تعجلهم بشأن موعد خفض الفائدة، مع حقيقة أن البنك يعتمد على البيانات الاقتصادية وتطورات التضخم لرسم مسار السياسة النقدية.
هل يستمر الاتجاه الهابط؟
– يخشى بعض المحللين من استمرار هبوط أسواق الأسهم العالمية، مع التضخم الثابت وتأجيل خفض معدلات الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي.
– قالت “آن كاترين بيترسن” كبيرة استراتيجي الاستثمار في معهد “بلاك روك” للاستثمار إن الأسهم العالمية ستعاني من تراجع في التقييم جراء معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول.
– تتوقع “بيترسن” أن تصل معدلات الفائدة الأمريكية إلى ما يقرب من 4% على مدى السنوات الخمس المقبلة، وحوالي 2% في منطقة اليورو، معتبرة أن العالم دخل في نظام جديد تبرز أحد أركانه الأساسية في معدلات الفائدة المرتفعة هيكلياً.
– كما تعتقد أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا “أموندي” أن الأسهم الأمريكية ستتخلف في الأداء عالمياً على مدى العقد المقبل، متوقعة أن تتفوق أسهم وسندات الشركات في الدول النامية.
– أيضًا ترى شركة “فانجارد” لإدارة الأصول أن مؤشر “إس آند بي 500” مقوم بأكثر من قيمته العادلة بنحو 32% بناءً على التوقعات طويلة الأجل للفائدة.
– بينما قال “تشيان وانغ” كبير الاقتصاديين في “فانجارد” إن الأصول الخطرة صامدة جزئياً لأن تكلفة رأس المال الذي يتوقعه المستثمرون تعكس معدلات الفائدة المنخفضة المتفق عليها سابقًا، لكن مع توقع بقاء الفائدة عند مستويات 3.5% وموجة إعادة تمويل ديون الشركات القادمة، فإن المستثمرين قد يصابون بخيبة أمل.
– ينتظر المستثمرون خلال الأسبوع الجاري إعلان عدد من شركات “العمالقة الـ7” نتائج أعمالها عن الربع الأول من العام الجاري، وما إذا كانت ستنجح في الوفاء بالتوقعات الكبيرة.
– تشير توقعات المحللين في “بلومبرج إنتيلجينس” إلى أن أرباح شركات “آبل” و”مايكروسوفت” و”ميتا” و”أمازون” و”ألفابت” و”إنفيديا” و”تسلا” سترتفع بمتوسط 38% في الربع الأول على أساس سنوي.
– لكن هذه التوقعات المتفائلة اصطدمت الأسبوع الماضي بخفض شركة “تي إس إم سي” توقعاتها لنمو سوق الرقائق، بالإضافة إلى تسجيل “إيه إس إم إل” طلبيات مخيبة للآمال في أحدث نتائج أعمالها.
– لكن على الجانب الآخر، ترى “سينيد كولتون جرانت” كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة إدارة الاستثمار التابعة لبنك نيويورك ميلون أن تراجع سوق الأسهم الأمريكي من أعلى مستوياته يمنح المستثمرين الذين يمتلكون سيولة نقدية فرصة للشراء.
– أشارت “جرانت” إلى أن التراجع المستمر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لسوق الأسهم الأمريكي يعد بمثابة تصحيح إيجابي بعد أن ارتفع “إس آند بي 500” بنسبة 10% في الربع الأول وبعد مكاسب تجاوزت 24% في العام الماضي.
– تتوقع المحللة تعافي سوق الأسهم الأمريكي خلال الفترة المقبلة، ليصل مؤشر “إس آند بي 500” أعلى الحد الأقصى للنطاق المستهدف بين 5000 و5400 نقطة قبل نهاية العام الجاري.
– من جانبه، يعتقد “توم لي” رئيس وحدة الأبحاث في “فاندستار” أن هناك الكثير من الأسباب التي تدعم الاعتقاد بأن هبوط سوق الأسهم الأمريكي يقترب من نهايته.
– أشار “لي” إلى أن الهبوط السريع لمؤشر “إس آند بي 500” مؤخرًا يدعم التعافي قريبًا، موضحًا أن نتائج أعمال الشركات المتوقع أن تظهر أداءً قوياً ستساهم في ارتفاع السوق مجددًا.