المغرب على خطى الصناعة العالمية..منافس إسبانيا في قلب صناعة السيارات بالمتوسط

يعيش المغرب حاليًا على وقع تحول صناعي نوعي يضعه في مصاف القوى الصناعية الصاعدة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
مستفيدًا من موقعه الجغرافي الاستراتيجي، وتكاليف العمالة التنافسية، وسياسة صناعية طموحة قادها الملك محمد السادس، يبرز المغرب كـ بديل جاذب للشركات الأوروبية المثقلة بارتفاع تكاليف الطاقة والتشريعات البيئية الصارمة.
يكمن مفتاح هذا التحول في البنية التحتية اللوجستية الضخمة. فـ ميناء طنجة المتوسط، الذي لا يفصله عن السواحل الإسبانية سوى 15 كيلومترًا، لم يعد مجرد محطة عادية. منذ انطلاقه في 2004، أصبح أكبر ميناء في إفريقيا وبوابة تجارية حيوية، يتعامل مع أكثر من 20 ألف سفينة شحن سنويًا، بقدرة على إيصال البضائع إلى مدن أوروبية كبرى مثل برشلونة ومرسيليا في أقل من 24 ساعة.
وفي خطوة لتعزيز هذه القدرة، يتواصل العمل بوتيرة متسارعة في ميناء الناظور غرب المتوسط، بمساهمة أوروبية مثيرة للجدل تزيد عن 300 مليون يورو من إجمالي تكلفة 720 مليون يورو.
هذا التمويل الأوروبي يثير تساؤلات حول تأثيره السلبي المحتمل على موانئ جنوب إسبانيا مثل الجزيرة الخضراء ومالقة، التي تجد نفسها مضطرة للامتثال لتشريعات بيئية أكثر صرامة.
يعد قطاع صناعة السيارات ساحة المعركة الرئيسية. ففي الوقت الذي تعاني فيه أوروبا، يرى عمالقة الصناعة العالمية في المغرب فرصة ذهبية لتقليل التكاليف.
- “ستيلانتس” استثمرت مئات الملايين في مصانعها في القنيطرة وطنجة، حيث يتم إنتاج سيارات كهربائية ذات شعبية متزايدة مثل “سيتروين أمي”.
- “رينو” تواصل تصدير طرازات ناجحة مثل “داسيا سانديرو” و”لوجان” من مصانعها في الدار البيضاء وطنجة، وسط أنباء عن مفاوضات لنقل خطوط إنتاج من دول أوروبية وشرق أوسطية أخرى.
الطموح المغربي لا يتوقف، حيث تتوقع المملكة أن يتجاوز إنتاجها السنوي من السيارات مليون وحدة بحلول عام 2027. هذا النجاح يأتي على حساب الجار الشمالي، حيث تشير مصادر مطلعة إلى احتمال نقل إنتاج سيارة “سيتروين C4” بالكامل من مصنع فيلافيردي بمدريد إلى المغرب، مما يضع آلاف الوظائف الإسبانية على المحك.
الأجور المنخفضة، وتكاليف الطاقة الرخيصة، والتشريعات البيئية الأكثر مرونة، تجعل المغرب بيئة لا تقاوم للشركات الساعية لتعزيز هامش ربحها، وهو ما يسرّع عملية “إعادة رسم الخريطة الصناعية لجنوب المتوسط”.
يؤكد هذا التطور أن المغرب لم يعد مجرد سوق عابر، بل أصبح منافسًا صناعيًا قويًا يسعى بقوة ليصبح الجسر اللوجستي والصناعي الأهم الذي يربط بين إفريقيا وأوروبا، مستندًا إلى إرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى.




