التحليل الموسمي..أداة استراتيجية لتعزيز اتخاذ القرار لدى المستثمرين في أسواق الأسهم

يُعتبر توقيت الاستثمار من أهم العوامل التي تزيد من فرص نجاحه، خاصة في سوق الأسهم الذي يتأثر بالعديد من العوامل الموسمية التي لا ترتبط بالأساسيات الاقتصادية.
يُعرف هذا التأثير باسم التحليل الموسمي، وهو نهج يدرس الأنماط المتكررة في أداء الأسواق المالية على مدار العام، مثل بداية السنة أو مواسم العطلات أو حتى الدورات الرئاسية.
في البداية، عادةً ما يشهد سوق الأسهم ارتفاعًا في شهر يناير، حيث يميل المستثمرون إلى إعادة تنظيم محافظهم الاستثمارية مع بداية العام الجديد.
هذا التفاؤل العام، مصحوبًا بقرارات الشركات بإعادة استثمار أرباحها، يرفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة تبلغ 1.8% في المتوسط، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط الشهري البالغ 0.5%.
على النقيض من ذلك، تقل السيولة في أشهر الصيف، مما يجعل السوق أكثر عرضة للتقلبات. فبينما ينخفض حجم التداول بنسبة تصل إلى 25% في السوق الأمريكي، يمكن للمضاربين استغلال هذا الانخفاض لإحداث تحركات سعرية مفاجئة وغير مبررة.
ومع ذلك، قد تكون هذه الفترة فرصة للمستثمرين ذوي المدى الطويل لاقتناص الأسهم بأسعار منخفضة.
أما في الأسواق العربية، فيشبه شهر رمضان أشهر الصيف في السوق الأمريكي، حيث ينخفض حجم التداول مما يزيد من تذبذب السوق.
وفي نهاية العام، وتحديدًا في موسم العطلات، يرتفع الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة نشاط السوق، خاصة في قطاعات التجزئة.
هذا الارتفاع في الطلب يعزز من قيمة أسهم شركات مثل “أمازون” و”تارجت”، التي توظف أعدادًا كبيرة من العمال الموسميين لتلبية هذا الطلب.
لا يقتصر التحليل الموسمي على الفترات الزمنية المحددة في السنة، بل يشمل أيضًا دورة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تؤثر على السوق بشكل كبير.
كما تُظهر الدراسات أن السوق غالبًا ما يحقق عوائد ضعيفة في أول عامين من الولاية الرئاسية، ثم تتحسن الأوضاع في العامين الأخيرين مع تركيز الإدارة على تعزيز النمو الاقتصادي.
فبعد انتخاب جو بايدن، ارتفع مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 16% بفضل تفاؤل المستثمرين بسياساته في مجال الطاقة المتجددة. وعلى النقيض، بعد فوز دونالد ترامب في عام 2016، انخفض السوق في البداية قبل أن يرتفع بنسبة 12% مدفوعًا بتوقعات خفض الضرائب.
يشير التحليل إلى أن أكثر من نصف مكاسب الأسهم تحدث خلال فترات لا تتجاوز 25% من العام، مما يؤكد أهمية “المواسم” في توقيت قرارات الاستثمار.
ومع ذلك، يجب استخدام التحليل الموسمي كأداة مساعدة فقط، وليس كاستراتيجية رئيسية للمضاربة قصيرة المدى، والتي أثبتت الدراسات أن 98% من المتداولين يخسرون فيها.
تُعد قصة المستثمر جوليان روبرتسون خير مثال على ذلك. فبينما حقق نجاحًا هائلًا في البداية من خلال استثماراته طويلة المدى، خسر لاحقًا بسبب محاولاته المتكررة لتحديد توقيت السوق بدقة.
هذا ما دفعه في النهاية إلى إغلاق صندوقه في عام 2000 بعد أن تراجعت أصوله من 21 مليار دولار إلى 6.5 مليار دولار. وتُظهر هذه التجربة أن محاولة توقيت السوق بشكل مثالي أمر محفوف بالمخاطر، وأن الاعتماد على التحليل الأساسي للشركات يبقى هو الركيزة الأساسية للاستثمار الناجح.