النمو الاقتصادي في الهند يدخل مرحلة اعتدال مع تحولات هيكلية في توزيع النشاط

تشير أحدث المؤشرات الاقتصادية إلى أن التعافي الاقتصادي القوي في الهند بعد جائحة كوفيد-19 بدأ يخفت، حيث تتجه وتيرة النمو نحو الاعتدال، في وقت تظهر فيه علامات تراجع واضحة بين الفئات الأعلى دخلاً، بينما تبرز مؤشرات على انتعاش تدريجي في قاعدة الهرم الاقتصادي.
ورغم تماسك البيانات الإجمالية في الظاهر، إلا أن مؤشرات النشاط الاقتصادي الأكثر تفصيلاً تكشف عن تباطؤ في عدة قطاعات.
فقد سجل الإنتاج الصناعي أدنى مستوياته منذ تسعة أشهر في ماي، وشهدت مبيعات السيارات واستهلاك الطاقة تراجعًا، إلى جانب تباطؤ في نمو الائتمان المصرفي. كما انخفضت وتيرة حركة الطيران التجاري، ما يعكس تراجعاً في الإنفاق لدى الشرائح الأعلى دخلاً.
في المقابل، بدأت تظهر مؤشرات إيجابية على مستوى الفئات الدنيا من المجتمع، التي كانت متأثرة بشكل أكبر خلال السنوات الماضية.
فقد سجلت مبيعات الجرارات الزراعية نموًا، وتجاوزت مبيعات الدراجات النارية ذات العجلتين نظيرتها من السيارات، كما دعمت بداية مبكرة وقوية لموسم الأمطار تحسّن الأوضاع في المناطق الريفية.
وتعليقًا على هذه التحولات، أوضحت شركة برنشتاين في تقرير حديث: “بينما كانت الفئات العليا تقود النمو في فترة ما بعد الجائحة، بدأت تفقد زخمها الآن، في حين تشهد قاعدة الهرم انتعاشًا تدريجيًا”. وأضافت أن هذا التباين لا يُعد ظاهرة مؤقتة، بل يمثل تحولًا هيكليًا في ديناميكيات النمو الاقتصادي في الهند.
وفي الوقت الذي شهد فيه سوق العقارات في المدن الكبرى تراجعًا إلى أدنى مستوياته في ثمانية أرباع متتالية، شكّل الإنفاق الاستثماري الحكومي نقطة مضيئة، حيث قفز بنسبة 54% خلال أبريل وماي على أساس سنوي، رغم انطلاقه من قاعدة منخفضة.
أما الإنفاق الرأسمالي للقطاع الخاص فنما بنسبة 10%، وهو معدل أدنى من الاتجاهات الأخيرة، لكنه لا يزال يعكس استقرارًا نسبيًا.
وترى برنشتاين أن من غير المرجح أن تستعيد الهند نموًا سنويًا فوق 8% بدون محفزات أقوى، متوقعة أن يستقر النمو الاقتصادي عند نحو 6.5% في المدى المتوسط. وتبقى بعض القطاعات مثل الصلب والفحم والأسمنت مرنة نسبيًا، لكن الصورة العامة تشير إلى تباطؤ أكثر من تسارع.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن “هذا العام قد لا يكون استثنائيًا، لكنه أيضًا لن يكون الأسوأ، خصوصًا مع بعض الدعم المتوقع من تحسن السيولة وتطورات خارجية إيجابية، مثل الوضوح في السياسات التجارية الأمريكية وانتعاش الاستهلاك العالمي”.