الاقتصادية

الأزمة التجارية بين الصين وأمريكا..خيارٌ صعب لكلا الجانبين

رغم ما يُشاع عن امتلاك الصين “أسلحة غير سرية” قد تساعدها في مواجهة الولايات المتحدة في الحرب التجارية، إلا أن هذه الفرضيات غالبًا ما تكون مبنية على سوء فهم لواقع النظامين الاقتصادي والسياسي في الصين.

لطالما تمسك القادة الصينيون بشعار “تحمّل المشاق” أو كما يُعبّر عنه بالعامية الصينية “أكل المرّ”، موجهين انتقادهم للأمريكيين بوصفهم “كسالى وبدينين”.

لكن الصين اليوم ليست كما كانت سابقًا. فقد تغيرت طبقة المتوسطة، وأصبحت قريبة في رفاهيتها وتطلعاتها من الطبقة الوسطى الأمريكية، بينما باتت شرعية الحزب الشيوعي ترتكز على تحسين مستوى المعيشة لا تقليصه. (وفي الواقع، يعاني أكثر من نصف الشعب الصيني من زيادة الوزن).

على عكس ما قد يُعتقد، فإن النظام السياسي الصيني، رغم طابعه السلطوي، لا يتمتع بالسرعة التي يُظن فيها. فالقرارات الحكومية في بكين تمر عبر بيروقراطية معقدة تتطلب العديد من مراحل المراجعة قبل الوصول إلى القرار النهائي.

حتى الرئيس شي جين بينغ يسعى للحصول على توافق من القادة الذين عيّنهم شخصيًا، مما قد يبطئ أحيانًا عملية اتخاذ القرارات.

وفي المقابل، تعكس الولايات المتحدة نمط “حكم الفرد” في بعض القضايا، مثل الرسوم الجمركية، حيث يستطيع الرئيس دونالد ترامب أن يفرض أو يعدل الرسوم بشكل فردي، بفضل صلاحياته الممنوحة من الكونغرس وصمت المحاكم تحت حجة “الأمن القومي”.

صحيح أن الصين تمتلك أدوات ضغط متنوعة، لكن هذه الأدوات لا تخلو من التكاليف:

الرد بالمثل: على الرغم من أن الصين قد رفعت الرسوم إلى 125% على بعض المنتجات الأمريكية، فإن هذه الرسوم قد تؤدي إلى تراجع كبير في الطلب، مما يؤثر سلبًا على التجارة العالمية.

الضغط على الشركات الأمريكية: الصين قد تلجأ إلى فرض قيود على الشركات الأمريكية، بما في ذلك التحقيقات في قضايا مكافحة الاحتكار، ولكن الإفراط في هذه السياسات قد يُبعد الاستثمارات الأجنبية التي تعتبرها الصين ضرورية.

التحكم في المعادن النادرة: الصين تسيطر على معادن ضرورية لصناعة الإلكترونيات، لكن الشركات الأمريكية غالبًا ما تجد بدائل عبر الموردين الخارجيين.

تشديد الصين لسيطرتها على هذه المعادن قد يدفع الدول الأخرى لتعويض النقص عن طريق دعم صناعات التعدين لديها.

الأدوات المالية: خفض قيمة العملة الصينية لمواجهة الرسوم سيؤدي إلى تزايد تكلفة الواردات ويؤثر على تدفق رؤوس الأموال.

رغم الخيارات المتاحة للصين، فإن أغلبها يعرضها لنتائج سلبية. الحرب التجارية ليست في صالح أي من الطرفين، بل تضر بكلاهما.

قد تُملي الصين تصعيدًا في ظل الضرر المتوقع، أو قد تنتظر ببساطة أن تؤدي سياسات ترامب إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي.

إن فرض رسوم 125% على الصين، وهو ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلك الأمريكي، خاصة في الطبقات ذات الدخل المحدود، مما يهدد الاقتصاد الأمريكي بركود محتمل.

قد يسعى الديمقراطيون وتجار التجزئة إلى تصوير هذه الرسوم على أنها “ضريبة ترامب”، مما يضغط على الحكومة الأمريكية لإنهاء الحرب التجارية، بغض النظر عن سياسات الصين.

تتزايد المحفزات أمام المصدرين الصينيين للتهرب من الرسوم عبر شحن منتجاتهم إلى الولايات المتحدة من خلال دول وسيطة. هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى خسارة الولايات المتحدة للإيرادات الجمركية التي تعتمد عليها في تمويل أجندتها السياسية.

و على الرغم من الضغوط المتزايدة على كلا الجانبين، تظهر إشارات على رغبة في التفاوض. وزارة التجارة الصينية أعربت عن استعدادها للحوار، بينما أبدى ترامب رغبة في التفاوض أيضًا، مؤكدًا إعجابه بالرئيس الصيني ووصفه بـ “الرجل الفخور”.

يشير هذا التبادل من التصريحات إلى اعتراف متبادل بأن حرب الاستنزاف التجارية ليست في مصلحة أي طرف.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى