الاقتصادية

بين النظرية والواقع: عدالة الأسواق المالية في العصر الرقمي

في يناير 2021، كان “بيتر ويلس”، موظف في متجر صغير بولاية أوهايو، يتابع بشغف تطورات سهم “جيم ستوب” وهو يرتفع بشكل مفاجئ. استثمر “ويلس” 12.5 ألف دولار أمريكي، وهي أغلب مدخراته التي جمعها على مدار عامين، بعد أن شجعه آلاف المستخدمين في منتدى “ريدِيت” على دخول عالم الاستثمارات الكبيرة.

في البداية، شعر “ويلس” بأن حلمه في تحقيق الربح يتحقق مع تضاعف قيمة السهم. لكنه فوجئ عندما قرر بيع أسهمه، حيث تم تعليق أوامر الشراء مؤقتًا على منصة “روبن هود”، مما أدى إلى هبوط حاد في سعر السهم في غضون ساعات.

لم يستطع “ويلس” بيع أسهمه بالسعر المرتفع، وتلاشت معظم أرباحه. بعد ذلك، اكتشف أن المنصة أوقفت الأوامر بسبب متطلبات مالية فرضتها غرفة المقاصة، وأن شركة “سيتادل”، التي تتعاون مع “روبن هود” في توجيه أوامر العملاء، كانت أحد الأطراف المؤثرة في هذا القرار.

203533e0 b97d 4b5a 8cf6 cc01165e4932 Detafour

لم تكن تجربة “ويلس” حالة فريدة، بل كانت جزءًا من ظاهرة أكبر تتعلق بعدالة الأسواق المالية.

تعني عدالة السوق أن جميع المشاركين يجب أن يحصلوا على فرص متساوية للوصول إلى المعلومات وتنفيذ صفقاتهم في بيئة تنافسية عادلة. لكن في الواقع، تعرقل عوامل متعددة مثل التكنولوجيا، المؤسسات، والتشريعات هذه العدالة.

رغم أن البورصات تخضع لهيئات تنظيمية وتفرض عليها قوانين صارمة، إلا أن اللاعبين الكبار مثل صناديق التحوط وشركات التداول عالي التردد وصناع السوق يمكنهم التأثير بشكل كبير على حركة السوق.

البورصات الكبرى مثل “بورصة نيويورك” و”ناسداك” صُممت لتكون أماكن متكافئة، لكن في الواقع تواجه هذه الأنظمة تحديات كبيرة تؤثر على مفهوم “تكافؤ الفرص” داخل السوق.

فبعض المتداولين يحصلون على المعلومات قبل الآخرين، إما من خلال اشتراكات باهظة أو عبر علاقات خاصة مع منصات التداول أو شركات الوساطة.

أبرز التحديات أمام عدالة السوق:

التحدي

التأثير على السوق

المستفيد المحتمل

الوصول المسبق للبيانات

أرباح سريعة وغير متاحة للجميع

المتداولون الخوارزميون

الدفع مقابل تدفق الأوامر

تضارب مصالح بين الوسيط والعميل

شركات الوساطة وصناع السوق

أسواق الظل

ضعف الشفافية وعدم تكافؤ الفرص

كبار المؤسسات

سرعة الخوارزميات

خلق فجوة في قدرة اتخاذ القرار

شركات التداول عالي التردد

 

كشف تحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز” عن أن بعض منصات التداول تمنح امتيازات للمستثمرين الكبار عبر تسريع وصول البيانات لهم.

كما أن منصات التداول ليست دائمًا محايدة، حيث تُنفذ الأوامر عبر قنوات مختلفة، بما في ذلك “أسواق الظل” التي تُعد منصات خاصة غير شفافة. ورغم أن هذه الأسواق توفر سيولة كبيرة، إلا أنها تساهم في خلق فجوة في الشفافية تمنح الأفضلية للمتداولين الكبار.

تُعرف ممارسات مثل الدفع مقابل تدفق الأوامر بأنها نوع من التعامل الذي يسمح للوسطاء بتوجيه أوامر العملاء إلى صناع السوق الذين يدفعون لهم مكافآت.

فرغم أن هذه الممارسة قانونية في بعض الأسواق مثل الولايات المتحدة، إلا أنها تثير تساؤلات حول تضارب المصالح وأثرها على مصالح العملاء.

الأسواق المالية الحديثة تتأثر بشكل متزايد بالتداول الآلي والخوارزميات التي تُستخدم من قبل الشركات لتحقيق أفضلية في التنفيذ. هذه التطورات التكنولوجية تثير أسئلة كبيرة حول الشفافية وحول التحيزات التي قد تكون موجودة في الخوارزميات المستخدمة في التداول.

bed0bedc f5ae 4cef af52 c9fd4f2011c4 Detafour

يعد المستثمرون الكبار مثل الصناديق المشتركة وصناديق المعاشات وصناديق التحوط من العوامل الرئيسية التي تؤثر على حركة الأسواق. هؤلاء المستثمرون يشكلون نسبة كبيرة من حجم التداول اليومي، ويمكنهم التأثير على اتجاهات السوق بشكل كبير.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب شركات “صناع السوق” دورًا مهمًا في توفير السيولة للأسواق، ولكن وجودهم يثير الجدل في أوقات التقلبات الحادة.

على الرغم من أن منصات التداول المجانية مثل “روبن هود” قد مكنت ملايين الأفراد من المشاركة في الأسواق المالية، إلا أن تأثيرهم يظل محدودًا مقارنة بالمؤسسات الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يتم توجيه أوامر المستثمرين الأفراد عبر نظام الدفع مقابل تدفق الأوامر، مما يثير تساؤلات حول جودة التنفيذ وشفافية السوق.

203533e0 b97d 4b5a 8cf6 cc01165e4932 Detafour

تعد “عدالة السوق” فكرة نسبية وليست حقيقة مطلقة. بينما تحاول الجهات التنظيمية فرض قواعد تكافؤ الفرص، تستمر التكنولوجيا والمؤسسات الكبرى في إعادة تشكيل المشهد. في هذا الواقع، يصبح وعي المستثمر وفهمه لكواليس اللعبة أمرًا حيويًا، تمامًا مثل قرار البيع أو الشراء نفسه.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى