الآثار الاقتصادية للحروب التجارية: بين التحديات والفرص في ظل تصاعد التوترات العالمية

تُعتبر الحروب التجارية من الأزمات الاقتصادية المعقدة التي يمكن أن تخلق حالة من الفوضى في الأسواق العالمية، حيث يمكن تحديد لحظة بدء المواجهة ولكن يصعب التنبؤ بموعد نهايتها.
هذا ينطبق على الصراعات التجارية التي بدأت عندما أطلق الرئيس الأمريكي شرارة النزاعات التجارية عبر العالم، مما أدى إلى حالة من الذعر في الأسواق.
تراجعت قيم العديد من الأصول، وشهدت أسواق الأسهم انهيارات حادة، مما أثار تساؤلات حول تأثير هذه الحروب على الاقتصاد والتجارة العالمية.
من المؤكد أن الحروب التجارية ستؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي العالمي، لكن حجم التأثير سيختلف بشكل كبير بناءً على مدى تصاعد هذه النزاعات. تشير التوقعات إلى أن النمو العالمي سينخفض بنسبة تتراوح بين 0.3% إلى 1%، حيث يتوقع البنك الدولي تراجعًا من 3.1% إلى 2.1%.
في أسوأ الأحوال، قد ينخفض النمو إلى ما دون 2%، مما يشير إلى احتمالية حدوث نمو سلبي في العديد من الدول. هذا يشكل تهديدًا خاصًا للاقتصادات التي تعاني بالفعل من انكماش اقتصادي، مثل الاقتصاد الألماني الذي سجل انكماشًا بنسبة 0.2% في 2024.
لطالما كانت الصين أحد المحركات الرئيسية للنمو العالمي، وفي الوقت الراهن يصبح دورها أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة مع سعي الصين لتحقيق معدل نمو مستهدف لعام 2025 بنسبة 5%.
هذا النمو سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، حيث سيحسن وضعها الاقتصادي ويدعم شركاءها التجاريين. لكن التوقعات بتراجع التجارة العالمية بنسبة 1% على الأقل بسبب الحروب التجارية قد يعيق هذه الخطط.
من جهة أخرى، يشير الاقتصاد الأمريكي إلى توجهات مقلقة، حيث أعلن جيمي ديمون، المدير التنفيذي لـ “جي بي مورغان”، أن الاقتصاد الأمريكي سيشهد انكماشًا، رغم التذبذبات في سوق الأسهم. كما لفت إلى أن تأثير السياسات الاقتصادية مثل “أمريكا أولًا” قد يهدد مكانة الولايات المتحدة العالمية.
في نفس السياق، صرح لاري فلينك، مدير “بلاك روك”، أن الولايات المتحدة قد دخلت بالفعل مرحلة الركود الاقتصادي.
و من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تضخم عالمي في أسعار السلع، خاصة تلك التي يتم إنتاجها في أكثر من دولة.
على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الرسوم الأمريكية إلى زيادة تكلفة إنتاج أجهزة “آبل” بنسبة تتراوح بين 39% إلى 43%، مما سيرفع سعر “آيفون 16 برو” من 1600 دولار إلى 2300 دولار. هذه الزيادة قد تكون تدريجية، ولكنها ستؤثر بشدة على الاقتصاد الأمريكي.
تظهر تقلبات الأصول بشكل واضح في أسواق الذهب، حيث شهدت أسعاره تقلبات حادة بين الارتفاع والانخفاض، نتيجة للتوترات الاقتصادية.
و على الرغم من ارتفاعه إلى أكثر من 3160 دولارًا للأونصة في بداية أبريل 2025، إلا أنه تراجع إلى ما دون 3000 دولار بعد أيام قليلة.
هذا التذبذب يعكس حالة من عدم الاستقرار في الأسواق، حيث يسعى المستثمرون لجني الأرباح أو تغطية المراكز المالية.
تواجه التجارة العالمية العديد من السيناريوهات المستقبلية التي قد تحدد مدى الضرر الذي سيتعرض له الاقتصاد العالمي. يمكن أن تتراوح السيناريوهات بين:
مفاوضات سريعة تؤدي إلى نتائج إيجابية، مما يحد من تأثير الحروب التجارية على النمو العالمي.
مفاوضات طويلة ومعقدة قد تؤدي إلى تصعيد النزاعات وتأثيرات سلبية أطول على الاقتصاد.
تصعيد حاد يشمل استخدام الصين لورقة الديون الأمريكية أو منع تصدير المعادن، مما سيؤدي إلى انهيارات اقتصادية واضطرابات اجتماعية في بعض البلدان الهشة اقتصاديًا.
في جميع الأحوال، من المتوقع أن تتأثر التجارة العالمية وأصول الأسواق الاقتصادية بشكل كبير، ويجب على المستثمرين والمستهلكين أن يكونوا أكثر حذرًا في اتخاذ قراراتهم.