الاقتصادية

التكنولوجيا والرأسمالية: قراءة نقدية في العلاقة المعقدة بينهما

في عصر يتسم بالهيمنة التكنولوجية على كافة مناحي الحياة، يصبح من الضروري التساؤل عن العلاقة العميقة بين التكنولوجيا والرأسمالية وكيف يؤثر هذا التداخل على المجتمع والاقتصاد.

و في هذا السياق، يطرح الكاتب جوناثان سادوفسكي في مؤلفه “الميكانيكي واللودي: نقد جذري للتكنولوجيا والرأسمالية” تحليلاً معمقًا لكيفية اندماج التكنولوجيا في جوهر البنية الرأسمالية.

يركز سادوفسكي في كتابه على أن أي محاولة للتصدي للتكنولوجيا تظل قاصرة ما لم تُعالَج الأسباب الاقتصادية الكامنة وراءها.

وهذا يقودنا إلى مصطلح “لودي”، الذي يشير إلى حركة اجتماعية نشأت في إنجلترا في أوائل القرن التاسع عشر للاحتجاج ضد التحولات التكنولوجية التي تهدد مصادر رزق العاملين في صناعة النسيج. في العصر الحالي، يُستخدم مصطلح “لودي” مجازياً لوصف الأفراد المعارضين للتكنولوجيا الحديثة.

f70ab62b faaa 48af bda4 b8f56521507e Detafour

يتناول الكتاب أحد أبرز المواضيع التي تشغل الفكر المعاصر: كيف تتعامل شركات التكنولوجيا مع البيانات كنوع من أنواع رأس المال. ففي الاقتصاد الرقمي، أصبحت البيانات جزءًا أساسيًا من آليات التراكم الرأسمالي، حيث تُستغل على نطاق واسع بغض النظر عن صحتها أو موثوقيتها.

ويستعرض سادوفسكي الجدل الدائر حول تسمية البيانات، هل هي “النفط الرقمي” أم “الذهب العصري”، ليظهر مدى الغموض الذي يكتنف فهم دور البيانات في الاقتصاد الحديث.

لكن الأهم من هذه التسميات، كما يوضح المؤلف، هو فهم أن البيانات تُجمع وتُستغل ليس لتحقيق منفعة اجتماعية، بل كضرورة رأسمالية للحفاظ على التنافس.

لا يقدم سادوفسكي حلولًا جاهزة لاستبدال النظام القائم، ولكنه يقدم دورين أساسيين لمن يسعون لمقاومة التقارب بين التكنولوجيا والرأسمالية.

الأول هو “الميكانيكي”، الذي يمتلك فهماً عميقاً للآلات والتقنيات وكيفية التحكم فيها، والثاني هو “اللودي”، الذي يدرك الغايات الأساسية وراء التكنولوجيا ومتى وكيف ينبغي مواجهتها أو حتى تعطيلها.

62850123 ae70 4eed ae4b 40ec888afe94 Detafour

يشير سادوفسكي إلى أن أغلب النقاشات حول التكنولوجيا تتوقف عند مستوى التحليل النظري دون أن تتحول إلى ممارسات فعلية لمكافحة الاستغلال الرقمي.

ويؤكد على أن الفعل السياسي المناهض لهذا النظام لا يزال ضعيفًا وغير منظم، مما يترك التكنولوجيا أداة في يد الرأسماليين، بدلاً من أن تصبح وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

في مواجهة هذا الاستغلال، يقدم سادوفسكي عدة استراتيجيات عملية، مثل الضغط لتفعيل قوانين تحمي البيانات وتنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، دعم حقوق العمال المتضررين من الأتمتة، وتطوير نماذج بديلة للملكية الرقمية مثل التعاونيات التقنية.

في الختام، يمثل كتاب “الميكانيكي واللودي” محاولة لإعادة صياغة النقد التكنولوجي بشكل يتجاوز التحليلات السطحية ويعالج جذور النظام الرأسمالي الذي تدعمه التكنولوجيا.

وعلى الرغم من أن الكتاب لا يقدم حلولاً جاهزة، فإنه يضع أسسًا لإعادة بناء فهمنا لعلاقتنا بالتكنولوجيا، ليس كأداة محايدة، بل كقضية سياسية واقتصادية تؤثر في النظام الذي نعيش فيه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى