تشكيل المحفظة الاستثمارية: التحديات والتوازن بين المخاطرة والعائد

تواجه العديد من الاستثمارات أزمة حقيقية تتمثل في نظرة أحادية لأحد جوانب المعادلة الاستثمارية. فبعض المستثمرين يركزون على العوائد المرجوة ويقللون من المخاطر المرتبطة بالاستثمار، بينما يسعى آخرون إلى تجنب المخاطر تمامًا، مما يمنعهم من تحقيق العوائد المتوقعة بسبب خوفهم من الخسارة.
يشير الخبير الاستثماري “جيف تساي” إلى أن تشكيل المحفظة الاستثمارية يعتبر أمرًا معقدًا، حيث يتطلب التوازن بين هدفي النمو والحد من المخاطر، في ظل تنوع الأصول المتاحة للاستثمار مثل الأسهم والسندات والعقارات والسلع والمعادن النفيسة أو حتى الاحتفاظ بالأموال السائلة.
وبالنظر إلى هذا التنوع، تتفاوت المحافظ الاستثمارية بين الأكثر مخاطرة، مثل الأسهم، والأقل مخاطرة مثل العقارات.
على سبيل المثال، استثمر “وارين بافيت” في أسهم نمو في شركات معينة رغم المخاطر العالية التي قد تحملها تلك الاستثمارات.
فعلى الرغم من أن “بافيت” لا يعلن دائمًا عن الأسباب وراء تغيير محفظته، إلا أن تقليص الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة، مثلما تروج له وزارة الكفاءة الحكومية، قد يكون دافعًا لبيع أسهمه في بعض الشركات الصحية.
تعتبر الأسهم عالية المخاطرة الخيار المفضل للعديد من المستثمرين، حيث يتوجه 84% منهم إلى أسهم النمو، التي تحمل احتمالية أكبر لتحقيق العوائد، رغم ارتفاع المخاطر مقارنة بالسندات والعقارات.
وفي المقابل، تقدم العقارات استثمارًا أكثر استقرارًا وأمانًا، رغم نمو قيمتها ببطء مقارنة بالأسواق المالية.
وقد أظهرت الأزمة المالية العالمية أن العقارات كانت أكثر استقرارًا من الأسهم. فعلى الرغم من انخفاض أسعار العقارات في بعض الفترات مثل 2007-2008، إلا أن أسواق الأسهم شهدت تراجعًا أكبر، مما يثبت أن العقار قد يكون خيارًا آمنًا خاصة في الأوقات الاقتصادية الصعبة.
وعلى الرغم من استقرار سوق العقارات، إلا أن أسعار الأسهم قد شهدت نموًا أعلى على المدى الطويل، حيث تشير التوقعات إلى نمو سوق الأسهم بنسبة 14.8% في 2025 مقارنة بنمو سوق العقارات الذي يُتوقع أن لا يتجاوز 2.04%.
عند تشكيل المحفظة، يُنصح بالتنوع بين الأصول المختلفة لتجنب تركيز رأس المال في أصل واحد، كما يشير المستثمر الراحل “جيسي ليفرمور” إلى أهمية التنويع داخل الأصل الواحد، مثل تنويع محفظة الأسهم بين الأسهم عالية المخاطرة ومنخفضة المخاطرة، وكذلك بين العقارات التجارية والسكنية.
من المهم أن يحدد المستثمر أهدافه عند بناء محفظته الاستثمارية. بعض المستثمرين يفضلون المخاطرة المحدودة ويركزون على العقارات القابلة للإيجار والأسهم الموزعة للأرباح، بينما آخرون يفضلون المحفظة الأكثر مغامرة مع زيادة نسبة الأسهم.
ومن أمثلة ذلك محفظة “راي داليو” التي تتسم بالحذر، حيث يخصص 30% فقط من محفظته للأسهم و40% للسندات طويلة الأجل، مما يبرز أهمية حماية رأس المال بشكل تدريجي.
وفي هذا السياق، يتبين أن “بافيت” نفسه قد قام بتعديل استثماراته، حيث باع بعض الأسهم وركّز على السندات، وهو ما يتماشى مع استراتيجيات أكثر تحفظًا في ظل التقلبات الحالية في السوق.
كما أن قدرته على تعديل المحفظة بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية يُظهر مرونة مهمة في إدارة المحفظة.
بناءً على ذلك، فإن التنوع هو العنصر الأساسي في تشكيل المحفظة الاستثمارية المثلى. يجب على المستثمر أن يكون قادرًا على تقييم مخاطر الاستثمار وعوائدها بشكل دقيق، مع العلم أن لا وجود لما يُسمى “المحفظة المثالية”، ولكن الأمر يرتبط بتحقيق توازن بين المخاطرة والأرباح.
و من الضروري أن يطور المستثمر فهماً شاملاً لكل نوع من الأصول التي يستثمر فيها، لضمان توجيه رأس المال بشكل مدروس ومؤثر.