نموذج النجاح: الاقتصاد الفلبيني ومرونته في مواجهة التحديات
– حققت الفلبين في عام 2023 إنجازًا اقتصاديًا ملحوظًا، وتصدرت دول جنوب شرق آسيا بنسبة نمو بلغت 5.6%، ومع أن هذا الرقم لم يصل إلى سقف التوقعات الحكومية التي تراوحت بين 6% و7%، إلا أنه يبشر بمستقبل واعد للاقتصاد الفلبيني، ويؤكد مرونته وقدرته على مواجهة التحديات العالمية.
– يُذكر أن النمو الاقتصادي المتحقق كان مدفوعًا بعودة الحياة إلى طبيعتها واستئناف الأنشطة التجارية على نطاق واسع، فضلًا عن الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية العامة والازدهار المتسارع للخدمات المالية الرقمية.
– شهدت العديد من القطاعات في الفلبين نمواً ملحوظاً، مما عزز النمو الاقتصادي بشكل عام. وتصدرت قطاعات النقل والتخزين (بنسبة نمو 13%)، والبناء (بنسبة 9%)، والخدمات المالية (بنسبة 9%) قائمة الأداء الأفضل.
– وعلى الرغم من انحسار العجز التجاري للفلبين في عام 2023، فإنه لا يزال مرتفعًا عند 52 مليار دولار، ويُعزى ذلك إلى تباطؤ الطلب العالمي وتصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي.
– في هذا التقرير، نسلط الضوء على أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الفلبيني، ونتوقع التطورات التي قد تشهدها خلال العام المقبل، وكيف يمكن أن تسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
أهم القطاعات الحيوية في الاقتصاد الفلبيني |
||
قطاع الخدمات المالية |
|
يشهد قطاع الخدمات المالية استقرارًا ملحوظًا في معدلات نموه، مما يشير إلى تعافٍ قوي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الإيجابي خلال عام 2024، وإن كان بوتيرة أكثر اعتدالًا بنحو 5%. ويُعزى هذا النمو المستدام إلى عوامل عدة، منها التوسع في الشمول المالي وتزايد الاعتماد على الحلول الرقمية. الشمول المالي: حقق البنك المركزي الفلبيني إنجازات ملحوظة في مجال الشمول المالي، فقد ارتفع إجمالي الودائع في الحسابات الأساسية إلى 22 مليون دولار أمريكي في عام 2023، كما توسع نطاق الخدمات المصرفية بشكل كبير، حيث ارتفعت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مصرفية رسمية من 29% في عام 2019 إلى 56% في عام 2021. التحول الرقمي: تؤكد البيانات أن الرقمنة باتت واقعاً ملموساً في حياتنا اليومية، حيث كشف استطلاع حديث أن نسبة 60% من البالغين الذين يستخدمون الهواتف الذكية قد تجاوزوا الحواجز التقليدية ونفذوا معاملات مالية رقمية. أسعار الفائدة المرتفعة: يشير التحليل الاقتصادي إلى أن انخفاض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام قد يدفع الشركات إلى زيادة استثماراتها مما يسهم في تنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل. |
قطاع الطاقة والكهرباء |
|
تشير التوقعات إلى مستقبل واعد لقطاع الطاقة في الفلبين، حيث يُتوقع أن تصل نسبة النمو إلى 7% في عام 2024، ويُعزى ذلك إلى التركيز المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة. ومع ذلك، تواجه البلاد تحديات تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتأثرها بالتضخم، فضلاً عن تراجع إنتاج الغاز الطبيعي في حقل “مالامبايا”. ولتعزيز أمن الطاقة، تسعى الفلبين إلى زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال. يتطلب الانتقال المتسارع نحو الطاقة المتجددة تطويراً شاملاً لشبكات الطاقة لتعزيز مرونتها وقدرتها على استيعاب الإمدادات المتقطعة الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن يساهم النمو المتسارع في الطاقة الخضراء في تسريع وتيرة تطوير مصادر الطاقة المتجددة، تماشياً مع الهدف الوطني بزيادة حصة الطاقة المتجددة لتصل إلى 35% بحلول عام 2030. |
قطاع الرعاية الصحية |
|
قد يشهد نمو قطاع الرعاية الصحية تباطؤًا ليسجل نسبة 2.8% في عام 2024، في حين يشهد قطاع تصنيع الأدوية انتعاشًا بنسبة نمو تبلغ 5.2% خلال العام نفسه. من المتوقع أن يزداد الطلب على الرعاية الصحية، إلا أن جودتها قد تتأثر بسبب النقص المتوقع في الكوادر الطبية خلال السنوات الخمس القادمة. فمن المتوقع أن يصل نقص الممرضات وحده إلى حوالي 90,000 ممرضة بحلول عام 2028. كما يواجه قطاع الرعاية الصحية تحديات إضافية متمثلة في ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. |
قطاع التصنيع |
|
يشكّل القطاع الصناعي ركيزة أساسية للاقتصاد الفلبيني، إذ يسهم بنسبة 19% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 ويستوعب حوالي 7% من القوى العاملة. وتشهد صناعة الفلبين تحولات ملحوظة في عام 2024، حيث يتجه القطاع نحو بناء سلاسل توريد أكثر مرونة وزيادة الاكتفاء الذاتي. ون المتوقع أن تستفيد الفلبين من تنامي التجارة الإقليمية والاتجاه العالمي نحو إعادة هيكلة سلاسل التوريد. لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، يتوجب على القطاعين العام والخاص التعاون على تحفيز الاستثمارات في البحث والتطوير، ورفع كفاءات القوى العاملة. يمكن تحقيق ذلك من خلال تبني استراتيجيات لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطوير البنية التحتية الصناعية وسلاسل الإمداد. |
الاستعانة بالمصادر الخارجية في مجال تكنولوجيا المعلومات |
|
يشهد قطاع الاستعانة بالمصادر الخارجية في مجال تكنولوجيا المعلومات نموًا متسارعًا، مدفوعًا بابتكارات متلاحقة في تقديم الخدمات ونماذج العمل. وتؤكد التوقعات تحقيق القطاع إيرادات ضخمة تبلغ 38 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مما يعكس مكانته المتنامية في المشهد الرقمي العالمي. ومن المتوقع أن يشهد الطلب العالمي على خدمات الاستعانة بمصادر خارجية نموًا ملحوظًا، مدفوعًا بجهود الشركات لتقليل التكاليف وتفضيلها لمقدمي خدمات تكنولوجيا المعلومات الفلبينيين. ف الوقت نفسه، تظهر باستمرار نماذج عمل جديدة، بدءًا من العمل عن بُعد وانتهاءً بالعمل الهجين، مما قد يؤدي إلى تحقيق فوائد عديدة، من بينها زيادة نسبة الاحتفاظ بالموظفين بنسبة تتراوح بين 10% و30%، وتقليل أوقات التنقل، وزيادة عدد الكفاءات والكوادر الفنية المتاحة، بالإضافة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 1.4 و1.5 مليون طن سنويًا. |
الاقتصاد الفلبيني: ثلاثة سيناريوهات متوقعة للنمو
حقق الاقتصاد الفلبيني نمواً متسارعاً تفوق به على نظرائه في جنوب شرق آسيا خلال عام 2023، مسجلاً معدل نمو بلغ 5.6%.
وبناءً على هذا الأداء القوي، من المتوقع استمرار هذا النمو الإيجابي خلال العام الجاري، وقد تم تحديد 3 مسارات محتملة لنمو الاقتصاد الفلبيني في المستقبل.
1- نمو بطيء: يشير السيناريو الأول إلى تباطؤ نمو الناتج الإجمالي المحلي، حيث يُتوقع أن يصل إلى 4.8% فقط، ويُعزى هذا التباطؤ إلى مجموعة من التحديات المحتملة، مثل تراجع التجارة العالمية وارتفاع معدلات التضخم.
وقد تستدعي هذه التحديات إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة (حوالي 6.5%)، مما قد يثقل كاهل المستهلكين ويؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
2- الهبوط السلس: يشير السيناريو الثاني إلى إمكانية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5.2%، بشرط أن يتمكن الاقتصاد من كبح جماح التضخم والاستفادة من تحسن الظروف العالمية، وتوفر بيئة الاستثمار المستقرة والطلب الإقليمي المتنامي أرضية صلبة لهذا النمو المتوقع.
3- نمو متسارع: أما في السيناريو الثالث، فمن المتوقع أن يشهد الناتج الإجمالي المحلي نموًا سريعًا بنسبة 6.1%، وذلك في حال تباطأ معدل التضخم واتخاذ سياسات مالية توسعية تتمثل في تخفيض أسعار الفائدة وتنفيذ برامج تحفيزية لتعزيز الإنتاج.
ونخلص من ذلك إلى أن تسخير طاقات القطاعات الحيوية، بالتوازي مع استشراف التوجهات الاقتصادية المستقبلية، سيُمكّن الفلبين من تحقيق قفزة نوعية في نموها الاقتصادي خلال عام 2024، وفتح آفاق جديدة لتحقيق تنمية مستدامة على المدى البعيد.