اقتصاد المغربالأخبار

467 مليار درهم.. الكتلة النقدية في المغرب تسجل قفزة صادمة بنسبة 10% في 2025

على الرغم من عقد كامل من الجهود الحكومية والمصرفية لـ “رقمنة” المعاملات وإزاحة النقود الورقية، يواجه القطاع المالي المغربي حقيقة صادمة: السيولة النقدية تعود للارتفاع بقوة في عام 2025، مسجلة زيادة تقارب 10%، لتتجاوز الكتلة النقدية 467 مليار درهم بحلول نهاية سبتمبر.

هذا الارتفاع يلغي تماماً التباطؤ الاستثنائي الذي شهده العام الماضي، والذي كان مدفوعاً بإجراءات العفو الضريبي المؤقتة التي ضخت جزءاً من الكاش المتداول خارج القنوات الرسمية إلى البنوك.

تُظهر الأرقام الصادرة عن بنك المغرب بوضوح أن هيمنة النقد ليست مجرد عادة، بل أصبحت سمة هيكلية متجذرة في نسيج الاقتصاد المغربي.

خلال العشر سنوات الماضية (2014-2024)، تضاعفت كتلة النقد المتداول بأكثر من مرتين، بزيادة بلغت 131%، وهو معدل نمو يفوق بكثير نمو الناتج المحلي الإجمالي.

نتيجة لذلك، وصلت حصة النقد في الاقتصاد الوطني إلى مستوى غير مسبوق: 29% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا الرقم القياسي يؤكد التشبث الواسع بالنقود الفيزيائية، ليس فقط في المبادلات اليومية الصغيرة، ولكن أيضاً كوعاء رئيسي للادخار.

ويكشف التدقيق أن ورقة 200 درهم تمثل وحدها غالبية القيمة المتداولة، ما يعكس الحاجة لاستخدام الفئات النقدية الكبيرة في عمليات الدفع أو التكنيز.

تتغذى هذه الديناميكية النقدية على دورات موسمية ثابتة تتحول إلى “مصارف” تستنزف السيولة من النظام البنكي. مواسم مثل رمضان، عيد الأضحى، العطلة الصيفية، ونهاية العام، تُشكل ذروات سنوية للطلب على الكاش، مدفوعة بزيادة الاستهلاك وتحويلات المغتربين والأنشطة التجارية غير المهيكلة.

تؤدي هذه السحوبات الكبيرة والمستمرة إلى تداعيات مباشرة ومقلقة على البنوك التجارية. في 2024، تسببت الحاجة المتزايدة للسيولة في ارتفاع طلب البنوك على إعادة التمويل من البنك المركزي (بنك المغرب).

هذا النقص في الودائع وزيادة الاعتماد على تدخلات البنك المركزي يرفع بشكل مباشر من تكلفة التمويل على البنوك، ما قد ينعكس لاحقاً على تكلفة الإقراض.

لكن السؤال الأهم يبقى: لماذا يظل النقد يحتفظ بهذه الهيمنة رغم الانتشار الكبير للبطاقات، الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وخدمات الحكومة الرقمية؟

تكمن الإجابة في مزيج من العوامل الاقتصادية والثقافية:

  • الاقتصاد غير الرسمي: يبقى هذا القطاع، الذي يمثل نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية، يعتمد بشكل شبه كلي على الدفع النقدي لتجنب التتبع الضريبي والرقابي.

  • الثقة والأعراف: لا تزال الثقة في الأدوات الرقمية هشة نسبياً مقارنة بالثقة الراسخة في النقود الفيزيائية. كما أن الأعراف المتجذرة في قطاعات حيوية مثل الحرف، الخدمات، الإيجارات، وبعض المهن الحرة تعتبر النقد الوسيلة المفضلة، بل والوحيدة أحياناً.

خلاصة القول، تُثبت بيانات 2025 أن تباطؤ 2024 لم يكن سوى ظاهرة ظرفية عابرة. الرقمنة تتقدم بلا شك، لكن التحول نحو مجتمع أقل اعتماداً على النقد يتطلب إصلاحات تتجاوز حدود التكنولوجيا، لتشمل تغيير الممارسات الثقافية والاقتصادية وتمكين القبول الواسع للمدفوعات المتتبعة في جميع القطاعات.

في الوقت الحالي، يبقى الدرهم الورقي هو المهيمن الأوحد على المشهد الاقتصادي المغربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى