اقتصاد المغربالأخبار

المغرب يعيد هندسة قطاعه المعدني ليرتقي في سلاسل القيمة العالمية

لم يعد النقاش حول المعادن في المغرب محصورًا في أرقام الإنتاج وحجم الصادرات، بل انتقل إلى مستوى أعمق يرتبط بالسيادة الصناعية، والعدالة الاجتماعية، والتموقع الاستراتيجي في سلاسل القيمة العالمية.

ففي سياق دولي يتسم بتنافس محموم على الموارد الطبيعية، اختارت المملكة فتح ورش إصلاح شامل يعيد تعريف دور القطاع المعدني في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وخلال عرضها أمام مجلس المستشارين، أكدت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، أن القطاع المعدني بات يشكل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، مساهما بحوالي 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ونحو 20 في المائة من الصادرات، ما يجعله رافعة استراتيجية لا غنى عنها في المرحلة المقبلة.

وفي صلب هذا التحول، يبرز المجمع الشريف للفوسفاط كفاعل محوري في تنزيل الرؤية الجديدة، من خلال برنامج استثماري غير مسبوق تتجاوز قيمته 13 مليار دولار خلال الفترة 2023-2027.

ويستهدف هذا البرنامج رفع نسبة الاندماج الصناعي المحلي إلى 70 في المائة، مع إشراك ما يقارب 600 مقاولة مغربية، وإحداث حوالي 25 ألف منصب شغل، في خطوة ترمي إلى تقوية النسيج الصناعي الوطني ودعم الانتقال الطاقي.

البعد الاجتماعي شكّل أحد أعمدة الإصلاح المعلن، حيث شددت الوزيرة على أن حماية عمال المناجم وضمان كرامتهم لم تعد مسألة ثانوية.

وفي هذا الإطار، تم التخلي عن مشروع تعديل قانون المناجم لسنة 2021، واعتماد مقاربة جديدة تُرجمت بإحداث “بطاقة العامل المنجمي”، كآلية قانونية وتنظيمية تهدف إلى صون الحقوق الاجتماعية والحد من الحوادث المهنية داخل مواقع الاستغلال.

على المستوى التشريعي، كشفت بنعلي عن استكمال مشروع القانون رقم 72.24 المتعلق بتثمين الصناعات التحويلية، والذي ينص على إحداث لجنة وطنية للمعادن الاستراتيجية والحرجة، وهي المعادن التي ستحدد، بحسب الوزيرة، مستقبل صناعات حيوية مثل البطاريات، والطاقات المتجددة، والتكنولوجيات المتقدمة.

وفي سياق تحديث الحكامة، أعلنت المسؤولة الحكومية عن مشروع قانون جديد يروم تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، بما يتيح تعزيز فعاليته المؤسساتية، وتنويع مصادر تمويله، وتسريع عمليات البحث والاستكشاف في مختلف جهات المملكة.

أما في ما يتعلق بتبسيط المساطر وتعزيز الشفافية، فقد تم الإعلان عن إطلاق السجل المعدني الوطني المرقمن خلال الفصل الأول من سنة 2026. وسيشكل هذا النظام منصة موحدة تضم حوالي 40 إجراءً إداريًا، وتوفر ولوجًا شفافًا وسلسًا إلى المعطيات، بما يعزز الثقة ويشجع الاستثمار.

الرهان الجهوي كان حاضرًا بقوة في مداخلة الوزيرة، من خلال الإعلان عن قرب إطلاق طلب اهتمام دولي يهم 450 جزءًا من الحزام المنجمي لتافيلالت وفجيج، في خطوة تستهدف استقطاب استثمارات كبرى وخلق فرص شغل مستدامة بالمناطق التي تعاني من هشاشة اقتصادية.

وبخصوص إقليم جرادة، تم الكشف عن مخطط خاص لإعادة هيكلة النشاط المنجمي، يقوم على إدماج عمال الفحم في مسار قانوني ومنظم، عبر منصة رقمية تربطهم مباشرة بالسوق، بما يضمن دخلاً عادلاً ويحفظ الخصوصية الاجتماعية والتاريخية للمدينة.

وعلى الصعيد القاري، توقفت بنعلي عند “إعلان مراكش” الصادر في 24 نونبر 2025، والذي وضع أول إطار إفريقي مشترك لحكامة القطاع المعدني وفق معايير الاستدامة والمسؤولية البيئية والاجتماعية (ESG)، بمشاركة 30 دولة، ما يفتح الباب أمام ولوج أوسع للتمويلات الدولية المسؤولة.

وختمت وزيرة الانتقال الطاقي مداخلتها بالتأكيد على أن إنجاح هذا التحول يظل مرتبطًا بتأهيل البنيات التحتية، مشيرة إلى مشاريع طرق وأنابيب للغاز الطبيعي قيد الإعداد للربط مع ميناء الناظور، في أفق تعزيز تموقع المغرب كمنصة إقليمية للصناعات المعدنية ذات القيمة المضافة العالية.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى