بين العلم والاقتصاد.. ظاهرة صيد النيازك تنتشر في الصحراء المغرب

في قلب جنوب شرق المغرب، تحولت الصحارى الممتدة بين جبال الأطلس والصحراء الكبرى إلى مسرح حقيقي لصيد النيازك، تلك الصخور القادمة من أعماق المجموعة الشمسية، والتي باتت تمثل نشاطًا يجمع بين البحث العلمي والمغامرة الاقتصادية.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد هواية، بل تحولت إلى مصدر دخل لسكان المناطق القاحلة وجاذبًا لهواة النيازك من مختلف أنحاء العالم، وفق تقرير نشرته صحيفة Japan Times.
ويشير التقرير إلى أن المغرب أصبح يعرف بارتفاع معدل سقوط النيازك، حيث سجل أكبر عدد من الحالات خلال العقدين الماضيين، ما جعل الصيادين المحترفين والسكان المحليين يتسابقون إلى المناطق الصحراوية عند رؤية أي شهاب ناري في السماء.
محمد بنيتيت، تاجر خمسيني من قرية إنزالة، يوضح: “المعلومة هي الثروة الحقيقية، ومعرفة موقع سقوط النيزك تعادل فرصة ذهبية”.
سر تميز المغرب في هذا المجال يرتبط بتداخل ثلاثة عناصر رئيسية: المناخ الصحراوي الجاف الذي يحافظ على النيازك، التضاريس المكشوفة التي تسهّل العثور عليها، وخبرة السكان المحليين الممتدة لعقود في تتبع المسارات النارية.
وتقول حسناء شنوي عودجحان، أستاذة علم النيازك بجامعة الحسن الثاني: “نحو نصف الدراسات العلمية المنشورة عالميًا خلال العقدين الأخيرين اعتمدت على عينات اكتُشفت في المغرب”.
أما سوق النيازك العالمي، فتصفه الصحيفة بأنه “غير منظم وصعب التتبع”، إذ تتراوح الأسعار من مئات الدولارات لقطع صغيرة تُباع على منصات إلكترونية، إلى ملايين الدولارات للقطع النادرة في مزادات كبرى مثل سوذبيز وكريستيز.
و شمثال على ذلك، نيزك “تيسينت” الذي اشترى متحف التاريخ الطبيعي في لندن كتلة منه وزنها 1.1 كيلوغرام مقابل 330 ألف جنيه إسترليني، بينما يحتفظ متحف “أتاريخ” بالدار البيضاء بشظية صغيرة منه تقدر قيمتها بسبعة آلاف دولار.
وتتفاوت قيمة النيازك بحسب مصدرها ومكوناتها، إذ تحتوي بعضها على معادن ثمينة مثل الكوبالت والنيكل، أو مواد كربونية عضوية تساعد العلماء على فهم أصول المجموعة الشمسية. وتشير الدراسات إلى أن العديد من النيازك المغربية تعود إلى كويكبات، القمر، أو حتى كوكب المريخ.
في الجانب التنظيمي، شهد القطاع تحولًا مهمًا منذ عام 2020، حين سمحت الحكومة للباحثين بتصدير أو بيع 90% من مكتشفاتهم بعد تسجيلها رسميًا لدى مديرية الجيولوجيا، التي تحتفظ بالباقي لأغراض علمية.
وقد أطلق هذا القرار ما وصفته الأستاذة شنوي بـ”حمى الذهب الجديدة”، حيث ظهرت رحلات سياحية متخصصة في تتبع الشهب والبحث الميداني عن الشظايا.
هذا النشاط أصبح مصدر دخل رئيسيًا في مناطق فقيرة مثل ميدلت وإرفود والرشيدية، حيث يمثل النيزك بديلًا اقتصاديًا لسكان تأثرت أنشطتهم الفلاحية بسبب التغير المناخي. سعيد جاجوج، سبعيني ويدير متجرًا للنيازك، يؤكد: “الزراعة محدودة والفرص قليلة، لذلك أصبحت النيازك مصدر الدخل الأكثر استقرارًا للعديد من الأسر”.
وعلى الرغم من أن البعض حقق ثروات مفاجئة وحوّلها إلى مشاريع سياحية أو فلاحية، يواصل كثيرون البحث عن “ضربة الحظ”. محمد بنيتيت، على سبيل المثال، يتابع الأسواق الأسبوعية وقصبات الصحراء أملاً في العثور على قطع نادرة، مثل قطعة صغيرة يعتقد أنها قادمة من القمر وتقدر قيمتها بحوالي 1200 دولار.
ويصف التقرير حادث شهاب سبتمبر الماضي، حيث شارك نحو مئة باحث في تمشيط مساحة واسعة تصل إلى خمسين كيلومترًا حول جبل العياشي، مستخدمين سيارات رباعية الدفع وأجهزة تحديد المواقع والمغانط القوية، بحثًا عن شظايا طازجة ونادرة في الصحراء الممتدة.
و يضع المغرب نفسه كأحد أهم المراكز العالمية لصيد النيازك، ليس فقط لموقعه الجغرافي ومناخه الصحراوي، بل أيضًا بفضل دينامية اقتصادية واجتماعية جديدة خلقتها هذه الصخور الفضائية، التي تحولت من مجرد هواية إلى نشاط متكامل يغيّر حياة البعض، ويغذي فضول العلماء، ويجذب عشاق المغامرة من كل حدب وصوب.




