Bitget Banner
الأخباراقتصاد المغرب

17% فقط يستخدمون الدفع الإلكتروني.. السيكولوجيا الاجتماعية وراء تمسك المغاربة بالنقدي

في وقت يشهد العالم ثورة متسارعة في مجال الاقتصاد الرقمي، حيث أصبحت طرق الدفع الإلكتروني ركيزة أساسية في تعزيز الكفاءة والشفافية، لا يزال المغرب يتخبط في واقع يعتمد على النقد كوسيلة دفع رئيسية.

رغم الجهود الحكومية والاهتمام الدولي بتسريع التحول الرقمي، إلا أن انتشار المعاملات النقدية في شوارع المدن والأسواق المغربية يضع علامة استفهام حول قدرة النظام الاقتصادي على مواكبة العصر الرقمي.

المفارقة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المناطق النائية أو الأسواق التقليدية، بل تمتد إلى الفضاءات التجارية الراقية والمرافق السياحية التي يُفترض أن تكون نموذجًا يحتذى به في تبني التكنولوجيا الحديثة.

هذا التناقض لا يؤثر فقط على أداء الاقتصاد الوطني، بل ينعكس سلبًا على صورة المغرب لدى الزوار والسياح الذين يتوقعون مستوى متقدمًا من الخدمات المالية الرقمية.

تشير الدراسات إلى أن أبرز العقبات تكمن في مقاومة بعض التجار لاعتماد وسائل الدفع الإلكتروني، بداعي تجنب الرقابة الضريبية والجمركية. وهذا يجعل المعاملات النقدية ملاذًا آمنًا لهم، في ظل ضعف آليات الضبط والتتبع.

ويتعزز هذا التوجه بعدم توفر شبكة إنترنت مستقرة أو تعطل أجهزة الدفع الإلكتروني في بعض الأماكن، ما يزيد من اعتماد الزبائن على النقد.

وتكشف أرقام البنك الدولي وشركة ماستركارد عن فجوة كبيرة بين توفر البنية التحتية التقنية والواقع العملي لاعتماد الدفع الإلكتروني، حيث لا تتجاوز نسبة المستخدمين 17% من السكان، في حين تغطي خدمات الإنترنت أكثر من 90% من التراب الوطني.

كما أن غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تعتمد هذه الأنظمة، ما يبطئ من وتيرة الشمول المالي ويحد من قدرات الاقتصاد المغربي على جذب الاستثمارات.

النتيجة المباشرة لهذا الوضع تظهر في معاناة الزوار الأجانب الذين يواجهون صعوبة في سحب النقود من أجهزة الصراف الآلي النادرة، أو يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على النقد في بلد يتجه العالم نحو معاملات رقمية سلسة وآمنة. وهذا الأمر يهدد سمعة القطاع السياحي ويقلل من تنافسيته.

رغم إطلاق مبادرات مثل “قافلة الشمول المالي” وجهود وزارة الاقتصاد وبنك المغرب لتشجيع الدفع عبر الهاتف المحمول، إلا أن غياب استراتيجية شاملة وقوانين ملزمة يجعل هذه الجهود محدودة التأثير، ولا تحقق القفزة المطلوبة نحو اقتصاد رقمي حقيقي.

اليوم، لم يعد الدفع الإلكتروني خيارًا ترفيهيًا بل ضرورة اقتصادية حتمية لمكافحة التهرب الضريبي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير خدمات أفضل للمواطنين. وإن استمرار التردد في فرض آليات دفع رقمية شاملة سيبقي المغرب أسيرًا لعقلية اقتصادية تقليدية تعوق تطوره وتفقده فرصًا واعدة.

بات لزامًا على الحكومة والمؤسسات المالية العمل بشكل متكامل لوضع خارطة طريق واضحة تفرض الانتقال الكامل إلى الدفع الإلكتروني، لتأسيس منظومة شفافة وعصرية تضمن تحقيق العدالة الضريبية، وتعزز ثقة المستثمرين والمستهلكين، وتفتح الأبواب أمام اقتصاد مغربي جديد يناسب تحديات القرن الحادي والعشرين.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى