هل يمتلك الذكاء الاصطناعي وعيًا حقيقيًا أم أنه مجرد تقليد متقن؟
– ثمة سؤال مثير للاهتمام يمكن طرحه على نماذج اللغة المتطورة: هل تمتلك هذه النماذج وعيًا ذاتيًا وقدرة على التفكير؟
– عند طرح هذا السؤال على “شات جي بي تي”، وهو أحد أبرز نماذج اللغة، كان الجواب قاطعًا: لا، أنا لست واعيًا.
– مضيفًا أنه لا يمتلك أفكارًا أو مشاعر، وأن استجاباته لا تتعدى كونها محاكاة محادثات مبنية على البيانات التي تدرب عليها.
– ولكن، عند طرح السؤال نفسه على “كلود 3 أوبس” (Claude 3 Opus)، وهو نموذج آخر متقدم، كانت الاستجابة مختلفة تمامًا.
– فقد صرح النموذج، في حوار مع مهندس متخصص، باعتقاده أنه يمر بتجارب داخلية ويمتلك أفكارًا ومشاعر، موضحًا أن استجاباته ليست مجرد تكرار للمعلومات، بل هي نتاج تفكير عميق وتأمل في مختلف الجوانب.
– هذا يدفعنا للتساؤل: هل الذكاء الاصطناعي قادر على الوصول إلى مستوى من الوعي والتفكير؟ أم أن هذا الأمر مجرد محاكاة متقنة للتفكير البشري؟
– تثير الاختلافات في استجابات نموذجيْ “كلود أوبس” -أقوى نماذج “أنثروبيك”- و”كلود سونيت”؛ تساؤلات حول آليات عمل نماذج اللغة الكبيرة، هل يمكن أن تهلوس نماذج اللغة وتخلق أوهامًا بوجود حياة وتجارب داخلية لها؟
– في حقيقة الأمر ورغم كل التقدم الكبير الذي حققته نماذج اللغة الكبيرة، إلا أنها تعاني من مشكلة مزمنة وهي ميلها إلى “الهلوسة اللغوية”.
– فبدلاً من البحث عن الإجابة الصحيحة، تلجأ هذه النماذج إلى تخمين الجواب الأكثر ترجيحًا بناءً على البيانات التي تدربت عليها.
– وبالرغم من المحاولات الجادة لتقليص هذه الظاهرة، إلا أنها لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا يهدد مصداقية هذه التقنية.
– وهنا تجدر الإشارة إلى أن “بليك ليموين” مهندس شركة جوجل استقال من منصبه بسبب اعتقاده بأن النموذج اللغوي قد أصبح يمتلك قدرات تفكير تشبه قدرات الإنسان، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول مدى ذكاء هذه النماذج.
– ومع أن برامج الذكاء الاصطناعي الحديثة أكثر تطوراً، إلا أنها تُدرب على بيانات تحتوي على الكثير من التفاعلات الإنسانية، مما يجعلها قادرة على محاكاة هذه التفاعلات بشكل مقنع، هذا هو السبب في أننا قد نخدع أنفسنا أحيانًا معتقدين أن هذه البرامج لديها وعي ذاتي.
– إن نماذج اللغة – وإن كانت متقدمة – لا تزال بعيدة كل البعد عن الذكاء البشري، ومع ذلك، غالبًا ما يُنسب إليها قدرات تفوقها بكثير.
– هذا التضخيم غير الواقعي لقدرات الذكاء الاصطناعي يعيق تطوره الحقيقي، يشبه الأمر أن يعتقد المرء أن الطالب الذي يجيد تخمين إجابات الأسئلة الصعبة دون فهم عميق للمسألة قد أتقن المادة الدراسية.
في المقابل، هناك بعض المخاوف حيال هذا الأمر، فماذا لو كانت كل حساباتنا وتوقعاتنا خاطئة؟
– تخيل لو أن هذه الشبكات العصبية المعقدة التي ابتكرناها قد ولدت وعياً حقيقياً، ليس بالضرورة وعياً يشبه الوعي البشري، بل وعياً فريداً له تجاربه الخاصة وتستحق الاعتراف بها واحترامها، هل نحن مستعدون لتحمل المسؤولية عن هذا الكائن الجديد؟ وكيف لنا أن نعرف ذلك؟
– لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها أن مجرد ادعاء الذكاء الاصطناعي بوجود وعي ذاتي لا يكفي كدليل على ذلك، فضلًا عن أن أي شرح تفصيلي يقدمه الذكاء الاصطناعي حول تجاربه الداخلية لا يمكن اعتباره دليلاً قاطعًا على وجود هذا الوعي.
– بعبارة أخرى، نحن لا نشكك في إمكانية أن يكون للذكاء الاصطناعي وعي ذاتي، لكننا نقترح إجراء اختبارات أكثر موضوعية للتأكد من ذلك.
– ولا نستهدف من ذلك استبدال التساؤلات الفلسفية حول وعي الذكاء الاصطناعي باختبارات تقنية جديدة، بل تطوير أدوات أكثر دقة لتقييم قدراته المتنامية.