“أبل” و”ألفابيت” و”ميتا” و”مايكروسوفت”.. شركات تكنولوجية أمريكية ضخمة، تشترك جميعها في أنها تحتل المراكز الأربعة الأولى في قائمة الشركات التي تعيد شراء أسهمها عالميًا، بمبالغ ضخمة تخطت 80 مليار دولار على مدار 12 شهرًا وحتى سبتمبر 2023 في حالة “أبل”.
وبشكل عام تصاعد إقبال الكثير من الشركات على إعادة شراء أسهمها بشدة خلال العامين الأخيرين، ويثار التساؤل عن سبب هذا، ولماذا تقوم تلك الشركات التكنولوجية، ومعها بعض الشركات في قطاعات أخرى مثل النفط وتحديدًا “أكسون موبيل” و”شيفرون” بإعادة شراء أسهمها؟
مكافأة المستثمرين واستخدام السيولة
السبب الرئيسي وراء قيام الشركات بإعادة شراء أسهمها هو المساهمة في ارتفاع سعر السهم، لدعم المساهمين في الشركة و”مكافأتهم” على الاستثمار فيها، وذلك من خلال “خلق” طلب على الأسهم، وكلما كان هناك طلب على أسهم الشركة، ارتفع سعر السهم.، بما يحقق أهم أهداف الشركات بشكل عام: تعظيم القيمة للمساهمين.
ولكن يلاحظ أن العامل المشترك الأول بين هذه الشركات هو أنها “ماكينة كاش سائلة”، حيث تنتج أعمال تلك الشركات نسبة عالية من السيولة ترغب تلك الشركات في استخدامها وعدم تركها بالصورة السائلة فحسب، ولذا تلجأ لإعادة شراء الأسهم بعد الإنفاق على التطوير والأبحاث مع ترك نسبة معقولة من الأصول في صورة أموال سائلة.
وعلى سبيل المثال، وفي أغسطس 2023، أعلنت شركة “إنفيديا” أنها ستعيد شراء ما يصل إلى 25 مليار دولار من أسهمها، في خطوة فاجأت الكثير من المراقبين، حيث إن أسهم الشركة لم تكن بحاجة لدعم من جانبها، حيث تضاعف سعر السهم ثلاث مرات تقريبا بالفعل في عام 2023 وحتى وقت إعلان إعادة الشراء.
بل وكانت الشركة تبدو في مكانة متميزة بالفعل، ومتصاعدة في النمو في مجتمع الأعمال الأمريكي، فمع نهاية الربع الثالث من عام 2023، كان لدى 180 صندوق تحوط من أصل 910 صناديق رئيسية في الولايات المتحدة حصص متفاوتة في الشركة، لتكون واحدة من أعلى الشركات التي تقبل صناديق التحوط عليها.
وإقبال صناديق التحوط بنسبة كبيرة على شركة يعكس الثقة في استقرار أسهمها على المدى الطويل، وتمتعها بالنمو على المدى المتوسط على الأقل، حيث تعتمد استراتيجية هذه الصناديق على الاستثمار طويل المدى وليست على المضاربة قصيرة المدى.
تأثير “هامشي” في حالة “إنفيديا”
فلماذا تقوم شركة بإعادة شراء أسهمها، وبالتالي تقليل المعروض منها بما يسهم في المزيد من رفع السعر بشكل كبير (على الرغم من المكافآت المرتبطة بأداء الأسهم لمجلس الإدارة فإن الصعود المبالغ فيه غالبًا ما ينتهي لسقوط حر للأسهم، لذا فإنه لا يكون في صالح الشركة).
وهناك أكثر من ملحوظة في هذا السياق، أولها أن الشركة لم تنفذ عملية إعادة الشراء كاملة، بل اشترت أسهمًا بما قيمته 10.8 مليار دولار فحسب حتى الآن وفقًا للإفصاحات، والثانية أن سعر السهم تضاعف تقريبًا منذ قرار الشركة بإعادة شراء الأسهم من مستوى 440 دولارًا تقريبًا حتى مستوى 880 دولارًا في الثاني من مايو 2024 أي في 9 أشهر تقريبًا.
ولكن قرار الشركة بإعادة الشراء لم يكن إلا مؤثرًا هامشيًا في حالة صعود أسهم “إنفيديا”، حيث لا تتعدى نسبة الأسهم التي تمت إعادة شرائها 0.5% من الشركة التي تفوق قيمتها السوقية، في بداية مايو الحالي 2.2 تريليون دولار.
لذا فإن السبب الرئيسي الذي دعا “إنفيديا” لذلك –حسب غالبية التحليلات -هو التوقعات بتدفقات نقدية طائلة خلال العامين المقبلين، فوفقًا لـ”بنك أوف أمريكا” قد تصل تلك التدفقات إلى 100 مليار دولار، بما يجعل استخدام جزء من تلك التدفقات في إعادة شراء الأسهم لتدعيمها أمرًا منطقيًا.
كما أن هناك هدفاً آخر من إعادة الشراء يتمثل في إعطاء المزيد من الثقة في الأسهم الصاعدة، أو كما يُقال فإنه لا توجد دعاية أفضل من استخدام شخص للمنتجات التي يروج لها.
كفاءة تخصيص الفوائض
تثار تساؤلات كثيرة حول مدى كفاءة استخدام الفوائض النقدية للشركات في إعادة شراء أسهمها، في ظل وجود نواح أخرى يمكن توجيه الأموال إليها وأبرزها البحث والتطوير.
فليست كل عمليات إعادة الشراء تسير وفقا للخطة الموضوعة، فعلى سبيل المثال كشفت شركة الأدوية “ميرك” في الثاني والعشرين من فبراير 2000 عن خطة لإعادة الشراء بقيمة 10 مليارات دولار، وكانت وقتها هي أكبر خطة غير مسبوقة لإعادة شراء الأسهم في محاولة لطمأنة الأسواق على مستقبل الشركة.
وبعد إقرار هذه العملية، انخفض سعر سهم ميرك بنحو 15% في الشهر التالي، ففي نظر المستثمرين، فإن عملية إعادة الشراء سلطت الضوء فقط على نقاط ضعف الشركة، لا سيما أن التقارير الأخرى الصادرة من الشركة أشارت إلى صعوبة استمرارها في تحقيق إيرادات مرتفعة.
وهنا يشار إلى هذه العملية، وغيرها، على أنها فشل إداري كبير، فاستغلال المليارات العشرة في الأبحاث والتطوير والتوسع كان من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الإيرادات على المدى الطويل، ولكن استخدامها في إعادة الشراء أفقد الشركة “الفرصة البديلة” التي تتيح استثمار الأموال بشكل مختلف.
محاولة تجميل
وبشكل عام فإن أكثر من 50% من الشركات التي تقوم بإعادة شراء الأسهم تقترض للقيام بهذه العملية، أي أنها تُحمل نفسها أعباء وبالتالي تزيد من صعوبة تحقيق نتائج إيجابية في المستقبل فقط لمكافأة المستثمرين ولتقليل المعروض من الأسهم ومحاولة رفع سعرها.
ولذلك تعتبر عمليات إعادة شراء الأسهم في بعض الأحيان بمثابة “محاولة” لتجميل وجه بعض الشركات، بينما في حالة استخدام الوفورات المالية المتوفرة لدى الشركة يثار التساؤل حول وجود أوجه إنفاق أخرى أفضل من عدمه ليكون التقييم وفقًا لحالة كل شركة.
والشاهد أن هناك مصلحة لمجالس إدارة الشركات في إعادة شراء الأسهم، حيث يحقق هذا زيادة في مدخولاتهم التي ترتبط بتحقيق بعض المستويات السعرية للسهم، بالإضافة بالطبع للمبيعات والإيرادات وصافي الدخل وغيرها من المؤشرات الهامة لتقييم أي شركة.
ولذلك في كثير من الأحيان ما تعيد الشركة شراء الأسهم عند مستويات عالية لتدعم المزيد من الارتفاع للسهم، فإذا كان السعر الطبيعي (العادل) للسهم 100 ريال مثلًا فإن الشركة قد تشتري أسهمًا عند مستوى 120 ريالًا حتى لو كان مستوى مؤقتا ستنحدر الأسهم عنه لاحقًا بما يؤكد عدم كفاءة استخدام الموارد المتاحة.
هل من تأثير حقيقي؟
وتفشل الغالبية العظمى من عمليات إعادة الشراء في تحقيق تأثيرات حقيقية وملموسة على سعر السهم، في ظل تقديرات بأن نسبة إعادة الشراء لا يجب أن تقل عن 5% من أسهم الشركة حتى يبدأ الأمر في إحداث تأثير على سعر السهم، وأن تتم عمليات إعادة الشراء في فترة زمنية قصيرة نسبيًا.
ويعتبر “جاستين بيتيت” الشريك في شركة “ستيرن ستيورت” لتقييم الاستثمارات أن غالبية الشركات لا تسعى لإحداث تأثير حقيقي “رقمي” على الأسواق، لكنها تسعى لخلق “انطباع” بأن الأمور على ما يرام، بالإضافة إلى مكاسب المديرين في الشركة، ولكنها لا تحقق أثرًا حسابيًا عمليًا، وكثيرًا ما يكون تأثيرها “النفسي” معكوسًا بالإيحاء بأن الشركة تعاني.
ويصل البعض إلى حد اعتبار أن إعادة شراء الشركة لأسهمها لا يعد مقبولًا إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون أسهم الشركة مقومة بأقل من قيمتها العادلة –من وجهة نظر إدارة الشركة- ووفقًا لقيمة الشركات في القطاع الذي تنشط به وحجم المبيعات ورأس المال والأعمال ومضاعف الربحية في القطاع، فتكون هذه وسيلة للفت نظر الأسواق إلى هذا الأمر.
ففي هذه الحالة يكون التأثير على المتداولين إيجابيًا بلفت النظر إلى شركة مُقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، بينما في الكثير من الحالات تكون النتيجة هي خداع المتداولين أو حتى إحداث تأثير عكسي بصرفهم عن الشركة التي يرون إعادة شرائها لأسهمها وسيلة لتضخيم قيمتها.