كيف ستشكل عودة ترامب للبيت الأبيض تهديدًا لاستقلالية الفيدرالي؟
يرى المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية “دونالد ترامب” أنه ينبغي السماح للرؤساء بالتأثير على الاحتياطي الفيدرالي في تحديد أسعار الفائدة، وهو ما قد يشكل تحولاً كبيرًا في السياسة من شأنه تهديد استقلالية الفيدرالي.
وأضاف في تصريحاته الواردة خلال مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي بولاية فلوريدا: يجب أن يكون للرئيس رأي على الأقل في هذا الشأن.
وعلى الرغم من أن “ترامب” هو من اختار “باول” لرئاسة الفيدرالي فإنه اصطدم معه مرارًا وتكرارًا خلال فترة ولايته الأولى، وانتقده بشأن قرارات الفائدة في عامي 2018 و2019، عندما عانى الاقتصاد من آثار الحرب التجارية وعدم اليقين الجيوسياسي.
وفي عام 2011، كان “ترامب” يهاجم “باول” بشكل متكرر، وقاد حملة من خلال منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والخطب والمقابلات للضغط على رئيس الفيدرالي لتنفيذ أوامره، وفي البداية هاجمه لرفع الفائدة ولاحقًا انتقده لعدم خفضها بدرجة كافية.
لكن تمكن “باول” من الصمود في وجه تلك الانتقادات، وسوف تستمر ولايته الثانية في رئاسة الفيدرالي حتى مايو 2026، لأن “ترامب” صرح من قبل أنه لن يحاول الإطاحة برئيس البنك المركزي قبل انتهاء ولايته.
وتعد التصريحات الأخيرة الإشارة الأكثر وضوحًا حتى الآن حول الكيفية التي قد يحاول بها “ترامب” إضعاف استقلالية البنك المركزي حال فوزه بولاية ثانية في انتخابات نوفمبر.
ولم يشرح الرئيس الأمريكي السابق تفصيليًا الدور الذي يتصوره لنفسه، لكنه اكتفى بالقول أنه يجب أن يكون له رأي في تحديد أسعار الفائدة، لكنه يرى أنه أكثر تأهيلاً لاتخاذ القرارات عن العديد من مسؤولي الفيدرالي بشأن السياسة النقدية بسبب خبرته التجارية، قائلاً: لقد ربحت الكثير من المال، لقد كنت ناجحًا للغاية وأعتقد أن لدي موهبة أفضل– في كثير من الحالات – من مسؤولي الفيدرالي أو رئيس البنك
الضغوط الرئاسية ليست جديدة .. لكن التدخلات المباشرة استثنائية
على الرغم من أن مسألة انتقاد رؤساء البلاد للفيدرالي وخاصة في الأوقات التي يرفع فيها الفائدة ليست ظاهرة جديدة، إلا أن “ترامب” – إذا فاز بولاية ثانية – سيكون أول رئيس منذ “ريتشارد نيكسون” في أوائل السبعينيات يتدخل بصورة مباشرة في صنع سياسات البنك المركزي الأمريكي.
على النقيض، ترى منافسته في السباق الانتخابي “كامالا هاريس” أن الفيدرالي يجب أن يتخذ القرارات بشكل مستقل عن الرئيس، موضحة أنها لن تتدخل في شؤون البنك المركزي إذا تم انتخابها.
كتب “جاريد بيرنشتاين” رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس “بايدن” في منشور على منصة “إكس” اقتباسًا من تقرير للمجلس حول أهمية استقلال البنوك المركزية: لا يمكن للتاريخ أن يكون أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالعواقب التضخمية الدائمة والمدمرة لتجاهل هذا الدرس أو عكس التقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في نصف القرن الماضي.
ماذا يقول التاريخ؟
عندما تأسس البنك المركزي بتمرير قانون الاحتياطي الفيدرالي عام 1913، لم يكن مستقلاً للغاية، وكان وزير الخزانة يرأس كافة اجتماعات البنك في ذلك الحين، حسبما ذكر “ستيفن سليفينسكي” المحرر السابق بقسم الأبحاث لدى الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند.
وبموجب تعديل عام 1935 للقانون، تمت إقالة وزير الخزانة ومراقب العملة من مجلس إدارة البنك، ولكن رغم ذلك فرض الكونجرس والسلطة التنفيذية أو مارسوا نفوذًا قوية على أنشطة البنك على مدى عقود.
واكتسب البنك بعض الاستقلالية في عام 1951 عندما تم التوصل لاتفاق بين وزارة الخزانة والفيدرالي، إلا أن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت “هاري ترومان” ضغط على “توماس مكابي” رئيس الاحتياطي الفيدرالي للاستقالة في نفس العام.
كيف كان الوضع في عهد نيكوسن؟
ضغط الرئيس الأمريكي “ريتشارد نيكسون” على رئيس الفيدرالي آنذاك “آرثر بيرنز” لتخفيف السياسة النقدية بهدف تعزيز الاقتصاد قبل انتخابات 1972.
وتحدث “نيكسون” عن “بيرنز” قائلاً: أحترم استقلاله، ومع ذلك آمل أن يستنتج أن آرائي هي التي يجب اتباعها.
وقد ساهمت ضغوط “نيكسون” جزئيًا في ارتفاع التضخم بصورة كبيرة في سبعينيات القرن العشرين – إلى جانب تأثير صدمة النفط عام 1973 – وتباطأ النمو الاقتصادي مما أدى إلى ركود تضخمي استمر لفترة طويلة حتى بعد استقالته في 1974.
ولم تتوقف تلك الرياح الاقتصادية المعاكسة إلا بعد زيادات أسعار الفائدة التي قام بها “بول فولكر” خليفة “بيرنز”.
وذكر “جيمي كوكس” الشريك الإداري لمجموعة “هاريس” المالية: “فولكر” هو مثال رئيسي على ضرورة استقلالية الفيدرالي.
هل سيؤثر “ترامب” على الاستقلالية في عهد “باول”؟
ذكر “باول” مؤخرًا أن أداء الاقتصاد الأمريكي كان جيدًا من خلال وجود بنك مركزي يمكنه تحديد أسعار الفائدة دون تدخل مباشر من البيت الأبيض، موضحًا أن البنك الذي يعمل خارج نطاق التوجيه السياسي يخدم الشعب بشكل جيد.
وعارض بشدة الاقتراحات بأن البنك سيتأثر بالسياسة، قائلاً: أي شيء نقوم به قبل أو أثناء أو بعد الانتخابات سيعتمد على البيانات والتوقعات وتوازن المخاطر وليس على أي شيء آخر.
وأكد “باول” ومسؤولون آخرون بالبنك على أن مصداقية الفيدرالي وأداء الاقتصاد يعتمد على قدرته على العمل دون التأثير المباشر للجهات الفاعلة السياسية.
وفي حال فاز “ترامب” في الانتخابات الرئاسية، فلن يكون لديه سوى قدرة ضئيلة على التأثير على الفيدرالي حتى عام 2026 عندما تنتهي ولاية “باول”.