فشل ذريع: لماذا تخفق الحكومات المتعاقبة في حل أزمة البطالة؟
ارتفع معدل البطالة في المغرب إلى مستويات غير مسبوقة منذ ربع قرن، حيث بلغ 21,3% في عام 2024، وفقًا لما أعلنه شكيب بنموسى، المندوب السامي للتخطيط.
ويُعد هذا الرقم مؤشرًا على تفاقم أزمة سوق العمل في البلاد، حيث تسجل النساء والسكان في المناطق القروية معدلات بطالة مرتفعة، ما يعكس التفاوت الكبير بين جهات المملكة ويؤكد ضرورة التصدي للفوارق الاقتصادية والاجتماعية التي تزيد من تعقيد الوضع.
وفي ندوة صحفية عقدها بنموسى يوم الثلاثاء الماضي للكشف عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، أشار إلى أن معدل البطالة ارتفع بشكل ملحوظ من 16,2% في عام 2014 إلى 21,3% في 2024، مما يُظهر عجز السياسات الاقتصادية في تقليص الفجوة بين العرض والطلب في سوق العمل.
هذه الزيادة تشكل تحديًا كبيرًا للنمو المستدام، ما يعزز من الحاجة إلى المزيد من الدعم الاجتماعي والخدمات الحكومية، ويؤثر سلبًا على الميزانية العامة للدولة.
تعددت العوامل التي أدت إلى هذا الارتفاع الحاد في معدل البطالة في المغرب. من أبرز هذه العوامل تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة للجفاف المستمر الذي يؤثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي، وهو المصدر الرئيسي لفرص العمل في البلاد.
إضافة إلى ذلك، يُسهم الركود الاقتصادي وضعف النمو في تفاقم المشكلة، بينما يعمق الاقتصاد غير المهيكل أزمة البطالة.
وفيما يتعلق بالبرامج الحكومية التي أُطلقت لمكافحة البطالة، مثل “أوراش” و”فرصة”، فقد فشلت هذه المبادرات في تحقيق نتائج ملموسة. فالبرامج تقدم عقودًا مؤقتة، مما يحد من فعاليتها في تقليص البطالة، في غياب بيانات واضحة تُظهر مدى تأثيرها الفعلي على سوق العمل.
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن الأسباب الرئيسية وراء تفاقم البطالة في المغرب تعود إلى السياسات الحكومية غير الفعّالة في معالجة ملف التشغيل.
وقال إن الحكومة فشلت في تخصيص ميزانية كافية لدعم المشاريع التشغيلية، مشيرًا إلى رفضها تخصيص 14 مليار درهم في مشروع قانون المالية لسنة 2025، ما يعكس ضعف التخطيط الحكومي في هذا المجال.
وأضاف ساري أن معظم البرامج الحكومية المتعلقة بالتشغيل لم تحقق أهدافها، حيث فشلت مبادرات مثل “أوراش” و”فرصة” في تقليص نسب البطالة كما كان مأمولًا.
وتابع أن برنامج “أوراش” لم يُسهم في خلق فرص عمل دائمة، بل ظل مؤقتًا، بينما لم يقدم برنامج “فرصة” أي تأثير إيجابي يُذكر على مستوى توفير فرص العمل، خاصة مع الشروط التي فرضتها الحكومة للاستفادة منه، مثل تحديد السن عند 18 عامًا، وهو ما أثار تساؤلات حول جدوى البرنامج في استهداف الشباب الذين يحتاجون إلى التعليم والتحصيل العلمي قبل الدخول في عالم المقاولات.
أما فيما يتعلق بتأثيرات الجفاف المستمر على القطاع الزراعي، فقد أكد سعيد خدري، الخبير الاقتصادي، أن انخفاض هطول الأمطار يعتبر عاملًا حاسمًا في تفاقم مشكلة البطالة، حيث يعتمد القطاع الزراعي على الأمطار بشكل كبير، ويمثل حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يُشغل نحو 40% من السكان، مما يجعل فقدان المناصب في المناطق القروية نتيجة مباشرة لتراجع الأمطار.
وأوضح خدري أن الحكومة أطلقت ميثاق الاستثمار في 2023 بهدف تحفيز الاستثمارات، إلا أن نتائج هذا الميثاق لم تكن ملموسة بعد، كما أن “اقتصاد الظل”، الذي يمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي، يزيد من هشاشة سوق العمل ويعرض العاملين في هذا القطاع للبطالة الموسمية، ما يُسهم في رفع معدلات البطالة.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، قرر بنك المغرب في شتنبر الماضي الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير عند 2.75%، مشيرًا إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد يشهد مستويات عالية من عدم اليقين، خاصة مع استمرار النزاعات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا والنزاع في الشرق الأوسط، فضلاً عن التأثيرات السلبية للجفاف على الإنتاج الفلاحي والنمو الاقتصادي.
يُعتبر ارتفاع معدل البطالة في المغرب إلى هذا المستوى القياسي مؤشرًا على الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والتشغيلية وتبني استراتيجيات فعّالة ومستدامة لمكافحة البطالة وتحقيق النمو الشامل.