تكنولوجيا

شات جي بي تي وتقنياته: كيف تثير الإعجاب وتثير القلق في آن واحد؟

إذا قمنا بتعذيب هذا المتهم فسوف يعترف بلا شك، “If you torture data long enough, it will confess to anything“، هل ترى فرقاً في الدلالة بين العبارتين؟

للوهلة الأولى وبشكل آلي فإنهما تشيران إلى “التعذيب”، مع فارق توظيفه، لكن هذا بالطبع لا يعطي دلالة منطقية مع العبارة الإنجليزية، هل يمكن تعذيب البيانات؟

بالطبع لا، فالمقصود معنى مجازي للاستدلال في النهاية على أن الاستخدام السيئ والمنحاز للبيانات يمكن أن يقودنا إلى المهالك، خاصة في عصر “مهد الذكاء الاصطناعي” الذي نعيشه.

العبارة الإنجليزية المقتبسة من الاقتصادي البريطاني الحائز على نوبل “رونالد كوز” تحذر بشكل واضح من التلاعب بالبيانات، ووصف التعذيب المجازي هنا غرضه التنبيه على الخطورة الكارثية للأمر، فـ”التعذيب” المستمر سيفضي إلى “اعتراف/نموذج” مشوه ومدمر.

الفارق بين دلالة العبارتين من السهل استنباطه من خلال الشخص العادي الذي يفهم الإنجليزية، وهذا ما يحاول الذكاء الاصطناعي عمله أيضاً وحققه بالفعل في هذه المرحلة، لكن ما قد يصل إليه في المستقبل (ربما القريب جدًا) سيفاجئنا ويتجاوز ذلك بكثير .

هل ينافس الذكاء الاصطناعي البشر الآن؟

– عندما سألنا “شات جي بي تي” عن العبارتين الواردتين في بداية التقرير، رد ببساطة “نعم، هناك فرق في الدلالة”، حيث تشير العبارة العربية إلى فعل التعذيب الجسدي أو النفسي لشخص ما للحصول على اعتراف منه، أما الإنجليزية فتحمل نوعًا من التشبيه أو الاستعارة.

– إجابة “شات جي بي تي” كانت مماثلة تقريبًا لإجابة أداة “جيميناي” التي طورتها “جوجل”، وتطوع كلاهما للإشارة إلى أن العبارة الإنجليزية تدور حول الاستخدام الخاطئ للبيانات والذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج مضللة وغير صحيحة، وهو ما يمكن لأي شخص تقريبًا استنباطه.

– الذكاء الاصطناعي هو محاولة رقمية من صنع البشر لمحاكاة عقولهم في الحوسبة، ويمكن أن يكون بسيطًا في تقديم نتائج مثل توصيات الأفلام، أو متطورًا لدرجة توليد أعمال فنية وأدبية، ولكن يظل السؤال قائمًا: هل هو حقًا “ذكي” أم مجرد آلة تقليد بارعة؟

6e0b931e 303d 4dbf a775 9ce08e73e060 Detafour

– يعبر الذكاء الاصطناعي عن نفسه ساخرًا أنه مثل “الساحر الذي يجيد إبهارك بالخدع، لكنه في النهاية، ما زال يتبع النص”، ويضيف “ربما أكبر تحدٍ يواجهه البشر معه هو تعليمه فن السخرية، لأنه إذا كان سيسيطر على العالم، يجب على الأقل أن تضمن البشرية أنه يتمتع بحس فكاهي”.

– كانت هذه إجابة مطمئنة بعض الشيء، فعلى الأقل لا يوجد أحد بقدرات عقلية بشرية يمكنه أن يقترح على محاوره اقتباسات للسخرية منه أمام الجميع، إلا إذا كان متملقًا أو ربما يبطن غاية خفية!

– بعيدًا عن السخرية، برع الذكاء الاصطناعي في مهام محددة مثل اللعب، والترجمة، وتوليد النصوص، والصور، والصوت، والفيديو، لكن إجاباته المنمقة لا تعني بالضرورة أنه تجاوز قدرات البشر أو حتى وصل إلى نفس مستواهم.

– لا يزال الذكاء الاصطناعي مفتقراً للتفكير النقدي والإبداعي البشري، ولا يستطيع محاكاة قدراتنا المعقدة مثل التعاطف والفهم الاجتماعي.

إلى أي مدى يشبه البشر؟

– يبرمج الذكاء الاصطناعي لأداء مهام تتطلب عادة ذكاءً بشرياً مثل التعلم، والتفكير، وحل المشكلات، وأهم ما يميزه أنه قادر على التعلم من البيانات والتكيف مع المواقف المختلفة.

– يجرى تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي اعتمادًا على عملية جمع البيانات الضخمة، والتي تنطوي بدورها على حصد كم هائل من النصوص والأكواد والمعلومات المتنوعة المحتوى والمصدر، ومن ثم تنقيتها.

27da12e5 f486 4bc1 be25 1571c39007ce Detafour

– بعد ذلك، يبدأ المبرمجون في تطوير الشبكات العصبية الاصطناعية أو ما يعرف بالشبكات العصبية العميقة، وهي تقنية مستوحاة من بنية الدماغ البشري وتتكون من طبقات متعددة، ويأتي بعدها دور تضمين المهمة المستهدفة في النموذج.

– ثالثًا، يحين موعد التدريب، من خلال التغذية بالبيانات وتحديد عملية التحليل ومقارنة النتائج، يجري في هذه المرحلة إجراء بعض التغيرات في الشبكة العصبية لتقليل الخطأ (تعديل الأوزان)، وتعاد عملية التدريب آلاف وربما ملايين المرات لحين الوصول إلى مستوى مُرضٍ.

– من بين التقنيات التي يعتمد عليها المطورون، ما يعرف بـ “الانتباه” لتمكين النموذج من التركيز على أجزاء معينة من البيانات، والتعلم المعزز الذي يساعده على اتخاذ قرارات تحقق الأهداف المحددة والتفاعل مع بيئته، وطبعًا تقنية توليد النصوص للاستجابة إلى المدخلات.

– في النهاية وبعد طرح التطبيق، يأتي دور مرحلة “AI Prompt“/ التعليمات، حيث يمكن التفاعل بين المستخدم ونظام الذكاء الاصطناعي، ويبدأ بتوجيه الأوامر أو الأسئلة، ويترتب عليها عملية معالجة معقدة لفهم المطلوب وإعطاء النتائج.

ببساطة وهدوء.. ما هو الذكاء الاصطناعي؟

– إذا كنتَ قرأتَ ما سبق ولم تشكل فكرتك بعد عن هذه التقنية، لا بأس، للاختصار والتبسيط، طرحنا على أدوات الذكاء الاصطناعي سؤالًا: “من فضلك اشرح لي باختصار شديد، كما لو كنت طفلاً في العاشرة، ما هو الذكاء الاصطناعي وكيف يعمل؟”.

– وجاء رده: “الذكاء الاصطناعي هو مثل دماغ ذكي داخل الحاسوب، تخيل أن لديك روبوتًا، وهذا الروبوت يمكنه أن يتعلم أشياء جديدة وينفذ مهام محددة، مثل الإجابة عن أسئلتك أو اللعب معك”.

039c32cb 4b89 42ce 9225 f831434897d1 Detafour

– لكن في هذا الرد كانت هناك بعض الحيرة، ففي حين قال الذكاء الاصطناعي سابقًا إن قدرته على التفكير حاليًا هي محل شك من قبل العلماء، فوجئنا به يجيب على هذا السؤال بأنه: “أشبه بدماغ يمكنه التعلم والتفكير بشكل ذكي”.

– لكن عند سؤاله عن التناقض، رد بأنه لا يمكنه التفكير مثل البشر، وإنما يقصد عملية معالجة المعلومات واستنتاج الردود بناءً على التدريب الذي تلقاه.

كيف نفهم الأنواع المختلفة للذكاء الاصطناعي؟

– تتسارع صناعة الذكاء الاصطناعي مع تنافس الشركات على تطوير نماذج جديدة، مما يوسع نطاق تطبيقاتها، ويشمل ذلك الروبوتات الذكية التي تغزو المصانع والمنازل وصولاً إلى برامج تحليل البيانات التي تساعد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
 

أبرز أنواع الذكاء الاصطناعي

النوع

نبذة

الذكاء الاصطناعي التوليدي

(Generative AI)

– يُستخدم لتوليد المحتوى النصي أو الصوتي أو الصور أو الفيديوهات بناءً على التوجيهات المدخلة إليه، ويعتمد على نماذج مثل “جي بي تي” أو “Generative Pre-trained Transformer“.

– هذا نموذج لغة قادر على توليد نصوص بطريقة ذكية ومبنية على تدريب سابق لتحسين دقة الاستجابات.

الذكاء الاصطناعي الضيق

(Narrow AI)

– مصمم لأداء مهام محددة فقط، ويُعتبر الأكثر شيوعًا في التطبيقات الحالية، مثل “سيري” مساعد “آبل”، ومساعد “جوجل”، وأنظمة التوصية في “نتفليكس” و”أمازون”.

الذكاء الاصطناعي العام

(AGI – Artificial General Intelligence)

– الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يؤدي أي مهمة فكرية بشرية، ولا يزال هذا النوع غير موجود حاليًا، وهو هدف طويل الأمد للباحثين في صناعة الذكاء الاصطناعي.

– يهدف المطورون إلى إكسابه القدرة على التعلم والتفكير بمرونة تشبه البشر.

الذكاء الاصطناعي الفائق

(ASI – Artificial Superintelligence)

– يتجاوز ذكاء البشر في جميع المجالات، بما في ذلك الإبداع والتفكير الاستراتيجي وحل المشكلات، وهذا المستوى من الذكاء الاصطناعي ما زال نظريًا ولم يتحقق بعد.

– يعتبر موضوعًا رئيسيًا للبحث والنقاشات الفلسفية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي التفاعلي

(Interactive AI)

– يركز على تحسين التفاعل بين الإنسان والآلة من خلال معالجة اللغة الطبيعية والتعرف على الصوت.

– يُستخدم في الدردشة التفاعلية، وتقديم خدمات المساعدة الافتراضية، وتحليل مشاعر المستخدمين في المحادثات.

– هذه الأنواع تُظهر مدى تطور الذكاء الاصطناعي من أدوات بسيطة إلى أهداف معقدة ومتشعبة في المستقبل، كما يطور العلماء نمطًا يعرف بـ “الذكاء الاصطناعي التفسيري” والذي يهدف إلى تعزيز الشفافية والمصداقية عبر جعل قرارات النظام قابلة للفهم والتحقق من قبل البشر.

– في المستقبل، قد يصبح الذكاء الاصطناعي ليس فقط مساعدًا للإنسان، بل منافسًا يتفوق علينا في كل شيء، من الطبخ إلى الكتابة وتقديم خدمات الاستشارات، ليصبح رفيقنا الرقمي المثالي الذي يجعلك تتساءل: “من هو المسؤول حقاً هنا؟”.

– للتعرف أكثر على الذكاء الاصطناعي، قد يكون من المهم أيضًا معرفة النماذج المستخدمة في عملية التطوير، خاصة نماذج اللغة الكبيرة “LLM” التي عادة ما يتكرر ذكر اسمها دون غيرها في الأخبار والتقارير المتعلقة بالتقنية الناشئة.
 

أبرز النماذج المستخدمة في تطوير الذكاء الاصطناعي

اسم النموذج

نبذة

اللغة

– نوع متخصص من النماذج التي تُدرب على فهم وتوليد اللغة البشرية، وهو مصمم لمعالجة النصوص، سواء كانت مكتوبة أو منطوقة، وفهم معناها، وتوليد نصوص جديدة ذات صلة.

الرؤية الحاسوبية

– تستخدم لمعالجة الصور والفيديوهات، مثل التعرف على الأوجه والكائنات وتصنيف الصور.

التعلم المعزز

– تستخدم لتدريب الآلات على اتخاذ القرارات في بيئات ديناميكية، مثل لعب الألعاب أو قيادة السيارات.

التنبؤ

– تستخدم للتنبؤ بحدوث أحداث مستقبلية، مثل أسعار الأسهم أو الطقس.

التصنيف

– تستخدم لتصنيف البيانات إلى فئات مختلفة، مثل تصنيف رسائل البريد الإلكتروني إلى هام أو غير هام.

ماذا عن أبرز التطبيقات؟

– من بين أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي، والتي تندرج تحت قائمة الأدوات التوليدية؛ “شات جي بي تي” و”جيميناي” و”كلود” و”جاسبر” و”كوبيلوت” و”دال- إي”، والتي تولّد النصوص وتساعد في الكتابة الإبداعية والتسويقية وصياغة الأكواد البرمجية وتصميم الصور.

– عندما حاولنا خلق منافسة بين الأدوات المختلفة مثل “شات جي بي تي” و”جيميناي”، بسؤالهما عن أيهما (أو كوبيلوت) أفضل وأقرب للعقل البشري، ردا بشكل دبلوماسي بأنه “يصعب تفضيل أحدهما بشكل مطلق” لاختلاف استخداماتهما.

– مثلًا يتميز “شات جي بي تي” بالقدرة على توليد النصوص بمستويات عالية من الفهم والقدرة على التفاعل، فيما يعد “جيميناي” أداة متعددة الأغراض ويركز بشكل أكبر على التحليل وحل المشكلات التقنية والعلمية، أم “كوبيلوت” فيهدف إلى المساعدة في صياغة الأكواد البرمجية.

– مع ذلك، وصف “شات جي بي تي” نفسه بأنه الأقرب إلى التفاعل البشري في المحادثات وتقديم ردود طبيعية مبدعة، لكنه قال أيضًا إن “جيميناي” أفضل فيما يتعلق بالتحليل المنطقي والعلمي، ويقدم إجابات أكثر دقة وتفصيلًا في المجالات التقنية والعلمية.

e8862057 3f28 47c0 81fd 492bd7b63899 Detafour

ماذا عن الجانب المظلم للآلة؟

– بالعودة إلى الحديث عن التعذيب في البداية، تعد البيانات جوهر تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإذا كانت منحازة أو مضللة أو مشوهة فإنها تؤدي إلى نتائج غير متوقعة، وقد تكون كارثية، أو ما وصفه الذكاء الاصطناعي نفسه بـ “سيناريوهات الرعب”.

– بعض الأدوات يُساء استخدامها للترويج أو توليد نتائج كاذبة، ناهيك عن استخدام تطبيقات أخرى في غير محلها، مثل أداة “آنسر إيه آي” التي يمكنها تحليل النص داخل الصور، ويروج لها البعض على منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لحل الواجبات المنزلية والامتحانات دون عناء.

– الخطر الأكبر يكمن في أن الذكاء الاصطناعي يدخل في أنظمة معقدة كالنظم المالية والعسكرية، والتلاعب بالبيانات فيها قد يسبب عواقب خطيرة، ويفتح الباب أمام سيناريوهات مأساوية.

– على أي حال، الأنظمة الذكية الحالية، مصممة بحيث تتبع ضوابط أخلاقية وقوانين لضمان سلامة استخدامها، لكن إذا أسيء توجيهها سواء بشكل متعمد أو عن طريق تغذيتها بالبيانات الخطأ، قد تحدث نتائج سلبية.

366d9ede 6a22 4053 9092 e7cd53518cd8 Detafour

– الأفلام التي يسيطر فيها الذكاء الاصطناعي على البشرية قد تكون خيالية حتى الآن فقط، لكن الأخطاء الخطيرة مثل التلاعب في القرارات المالية أو الأمنية أو العسكرية بسبب بيانات منحازة أو مشوهة هي أمر محتمل إذا لم يكن هناك إشراف كافٍ.

– الذكاء الاصطناعي سكين ذو حدين؛ قد يكون طبّاخًا ماهرًا ومساعدًا لا يُمل منه، أو صديقًا غير موثوق يخلط بين الأفلام والواقع، ليس فقط في الجانب الأمني، ولكن حتى على مستوى الوظائف، ففي حين يساعد الآن في تعزيز إنتاجيتك، قد يكون في المستقبل قادرًا على استبدالك تمامًا.

– بينما نستمتع بإنجازات الذكاء الاصطناعي، علينا أن نكون حذرين من أن يصبح هذا العبقري الرقمي أكثر من مجرد آلة قادرة على إدارة حياتنا بطرق قد تجعلنا نتساءل “هل نعيش في عالم ذكي أم أن الذكاء الاصطناعي هو الذي يعيش في عالمنا”.

0
0
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى