الاقتصادية

تجربة نمو .. كيف تحركت آلة الاقتصاد الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية؟

– في صيف عام 1945، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، كان الاقتصاد الأمريكي على حافة حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل.

– وأُثيرت التساؤلات حول القدرة على الانتقال من اقتصاد حرب كامل إلى اقتصاد قوي ومستقر في زمن السلم، وكان لدى العديد من الخبراء في ذلك الوقت شكوك جدية.

– كما اتضح، وبعد نصف عقد من التقنين والحرمان بسبب الحرب، كان الأمريكيون أكثر استعدادًا للإنفاق ببذخ.

– تطورت الصناعات الأمريكية بعد الحرب بشكل أسرع مما كان متوقعًا، وتحولت من إنتاج القاذفات النفاثة والدبابات إلى السيارات وأجهزة التلفزيون والأجهزة المنزلية.

استحواذ التعبئة الحربية على الجبهة الداخلية

– منذ دعوة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في أواخر عام 1940 لأن تكون بلاده بمثابة “ترسانة الديمقراطية”، صعدت الصناعة الأمريكية لمواجهة التحدي.

– أُعيد توجيه مصانع الولايات المتحدة التي تم بناؤها لإنتاج السيارات إلى إنتاج الطائرات والمحركات والبنادق والإمدادات الأخرى بمعدلات غير مسبوقة.

– في أواخر عام 1943 وأوائل عام 1944، في ذروة جهودها الحربية، كانت الولايات المتحدة تصنع تقريبًا نفس كمية الذخائر التي صنعتها جميع قوات حلفائها وأعدائها مجتمعين.

– أما على الجبهة الداخلية، فقد أعادت جهود التعبئة الهائلة خلال الحرب العالمية الثانية الأمريكيين إلى العمل.

– وانخفض معدل البطالة، الذي وصل إلى 25% خلال فترة الكساد الكبير واستقر عند 14.6% في عام 1939، إلى 1.2% بحلول عام 1944 – وهو مستوى قياسي منخفض في تاريخ البلاد.

– قبل انتهاء الحرب، بدأ المسؤولون الأمريكيون في مجال الأعمال والجيش والحكومة مناقشة مسألة تحول البلاد من الإنتاج العسكري إلى الإنتاج المدني.

– وفي عام 1944، اقترح دونالد نيلسون من مجلس الإنتاج الحربي خطة من شأنها تحويل المصانع المعطلة إلى الإنتاج المدني.

– بيد أن قادة الجيش وكبرى الشركات تصدوا لهذا الاقتراح، وتم تأجيل خطط التحول على نطاق واسع.

– ولكن مع انتهاء الحرب، ومع وجود ملايين الرجال والنساء الذين يرتدون الزي العسكري والمقرر عودتهم إلى الوطن، لم يكن اقتصاد الأمة الذي يركز على الجيش مستعدًا لاستقبالهم.

– كما كتب آرثر هيرمان في كتابه “فرج الحرية: كيف أنتجت الأعمال الأمريكية النصر في الحرب العالمية الثانية”، كانت الأعمال التجارية الأمريكية آنذاك لا تزال تركز على إنتاج الدبابات والطائرات، وليس المنازل الخشبية والثلاجات.

– حتى أن بعض الاقتصاديين توقعوا أزمة جديدة تتمثل في تفشي البطالة الجماعية والتضخم، بحجة أن القطاع الخاص لا يمكنه بأي حال من الأحوال توفير الكميات الهائلة من رأس المال اللازمة لتشغيل مصانع الحرب الضخمة خلال زمن السلم.

– تبنى تقرير صدر في منتصف عام 1945 من قبل السناتور جيمس ميد هذا الرأي، بحجة أنه إذا انتهت الحرب في المحيط الهادئ، فستواجه الولايات المتحدة أزمة بطالة على نطاق واسع يصعب التغلب عليها.

بعد كل هذا المجهود الحربي كان الأمريكيون على استعداد للإنفاق

9631ac1c 0e88 4907 91b8 ab084b6e696f Detafour

– لكن التاريخ أثبت خطأ المتشائمين. لم يجد معظم قدامى المحاربين العائدين صعوبة في العثور على وظائف، وسرعان ما حشدت المصانع الأمريكية التي أثبتت ضرورتها القصوى للمجهود الحربي بسرعة نحو زمن السلم.

– وارتقت إلى مستوى تلبية احتياجات المستهلكين الذين تم تشجيعهم على ادخار أموالهم استعدادًا لمثل هذه الطفرة التي تلي الحرب.

– بحلول صيف عام 1945، كان الأمريكيون يعيشون في ظل سياسات التقنين في زمن الحرب لأكثر من ثلاث سنوات، بما في ذلك القيود المفروضة على السلع الشائعة مثل المطاط والسكر والبنزين وزيت الوقود والقهوة واللحوم والزبدة والحليب والصابون.

– في هذه الأثناء، شجع مكتب إدارة الأسعار (OPA) التابع للحكومة الأمريكية الجمهور على ادخار أموالهم بشكل مثالي عن طريق شراء سندات الحرب من أجل مستقبل أفضل.

– في كتابها “جمهورية المستهلك: سياسة الاستهلاك الجماعي في أمريكا ما بعد الحرب”، ذكرت اليزابيث كوهين أنه بحلول عام 1945، كان الأمريكيون يدخرون ما متوسطه 21 في المائة من دخلهم الشخصي المتاح، مقارنة بـ 3 في المائة فقط في عشرينيات القرن العشرين.

– ومع انتهاء الحرب أخيرا، كان المستهلكون الأمريكيون يتوقون إلى إنفاق أموالهم على كل شيء، بدءًا من السلع الباهظة الثمن مثل المنازل والسيارات والأثاث إلى الأجهزة والملابس والأحذية وكل شيء بينهما.

– استجابت المصانع الأمريكية لتطلعاتهم، بدءًا بصناعة السيارات. تضاعفت مبيعات السيارات الجديدة أربعة أضعاف بين عامي 1945 و1955، وبحلول نهاية الخمسينيات، امتلك حوالي 75 في المائة من الأسر الأمريكية سيارة واحدة على الأقل.

– في عام 1965، وصلت صناعة السيارات الأمريكية إلى ذروتها، حيث أنتجت 11.1 مليون سيارة وشاحنة وحافلة جديدة تمثل وظيفة واحدة من كل ست وظائف أمريكية.

إقبال المواطن الأمريكي على شراء المنازل والأجهزة المنزلية

614c864b 9f51 4129 bcce 874e78430883 Detafour

– حققت شركات مثل شركة ليفيت آند سون (Levitt & Son)، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، نجاحًا في تطبيق تقنيات الإنتاج الضخم في صناعة السيارات على بناء المنازل.

– في الفترة بين منتصف الأربعينيات وأوائل الستينيات، بنت إحدى الشركات 3 مجمعات سكنية (بما في ذلك أكثر من 17 ألف منزل)، حيث بنت ما يصل إلى 30 منزلاً في اليوم.

– تحركت شركات التمويل العقارية أيضًا للاستفادة من زيادة مماثلة في الطلب على الإسكان، حيث قدمت قروض إدارة الإسكان الفيدرالية (FHA) ليشتري المواطنون الأمريكان منازل لهم.

– احتاج المشترون الجدد للمنزل إلى الأجهزة المنزلية لتلك المنازل، وقد استجابت شركات مثل فريجيدير (وهي قسم من جنرال موتورز) لهذه الحاجة.

– خلال الحرب، تحولت خطوط إنتاج فريجيدير إلى بناء المدافع الرشاشة ومراوح قاذفات القنابل، ولكن بعد الحرب، وسعت العلامة التجارية أعمالها في مجال الأجهزة المنزلية، وقدمت منتجات ثورية مثل الغسالات والمجففات وغسالات الصحون.

– في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، وصلت الولايات المتحدة إلى مستويات جديدة من الازدهار بسبب زيادة الطلب الاستهلاكي، بالإضافة إلى التوسع المستمر في المجمع الصناعي العسكري مع تصاعد الحرب الباردة.

– ارتفع الناتج القومي الإجمالي، الذي يقيس جميع السلع والخدمات المنتجة، إلى 300 مليار دولار بحلول عام 1950، مقارنة بـ 200 مليار دولار فقط في عام 1940.

– وبحلول عام 1960، تجاوزت 500 مليار دولار، ما رسخ مكانة الولايات المتحدة كأغنى وأقوى دولة في العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى