تأثير الدورة القادمة لتخفيف السياسة النقدية من الفيدرالي على الأسواق
في أوائل الثمانينيات، اجتاحت أمريكا أزمة اقتصادية حادة، حيث شهدت تضخمًا جامحًا بلغ 14.5% عند ذروته، مما فرض ضغوطًا هائلة على الاقتصاد والفيدرالي الذي رفع الفائدة بشكل كبير، مما زاد من صعوبة الأوضاع.
ومع ذلك، وتحت قيادة “بول فولكر”، قرر الاحتياطي الفيدرالي التحرك بسرعة، وبدأ خفض الفائدة من ذروتها عند 20% في 1981، لتصل إلى حوالي 8% بحلول 1984، مما ساعد في استعادة الثقة في الأسواق بالأسواق.
وفي حين لم تكن تأمل الأسواق في المزيد بعد أزمة استثنائية، صُدمت في التاسع عشر من أكتوبر عام 1987، بما عُرف لاحقًا بـ “يوم الإثنين الأسود”، حيث انهار مؤشر “داو جونز” بنسبة 22.6% في يوم واحد، وهذا الانهيار جعل الوضع أكثر سوءًا.
لكن مع كل خفض في الفائدة، بدأت الأسواق في التعافي، وانتعشت الأسهم تدريجيًا، وبدأ الاقتصاد في استعادة توازنه، وكانت هذه الفترة درسًا في أهمية التخفيف النقدي في ظل الأوقات العصيبة، وربما كانت مرجعًا لصناع السياسة خلال الأزمة المالية وبداية الجائحة.
تاريخيًا، أعطى خفض الفائدة دفعة قوية لجميع الأسواق، حيث ارتفعت الأسهم بشكل ملحوظ، وازدادت جاذبية السندات ذات العوائد المنخفضة (لأن العائد الحقيقي عليها قد يكون أكثر تنافسية)، وشهدت السلع زيادة في الطلب، كما استفادت الأسواق الناشئة أيضًا من تدفق الاستثمارات.
والآن يستعد المستثمرون لمرحلة جديدة من انتعاش الأصول الخطرة، مع قرب انتهاء دورة التشديد النقدي التي لا يمكن وصفها بـ “القاسية”، حيث واصلت الأسهم الأمريكية مسارها الصاعد على مدار عامي 2023 و2024، بعد خسائر حادة في عام 2022 تزامنًا مع بدء دورة رفع الفائدة.
كم تدوم فترة التخفيف عادة؟
– تضع الأسواق احتمالًا بنسبة 100% لخفض الفائدة في الولايات المتحدة، عندما يجتمع الفيدرالي في سبتمبر المقبل، ليضع نهاية لدورة التشديد النقدي الحالية التي انطلقت في مارس 2022، ويأملون أن تساعد دورة التخفيف الجديدة في دفع الأسواق.
– تأتي آمالهم على الرغم من الأداء القوي بالفعل للأسهم في عام 2023 حيث ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 24%، كما أضاف أكثر من 18% منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية غشت .
– في المتوسط، استغرقت فترات التخفيف النقدي خلال آخر 50 عامًا نحو 3 سنوات، لكن هذا يعتمد على الظروف ومدى تأثير السياسات النقدية على الاقتصاد بما في ذلك احتواء الأزمات والتضخم الجامح، وما إذا كان هناك تباطؤ.
أبرز دورات التخفيف النقدي في أمريكا خلال 4 عقود
الفترة |
مقدار خفض الفائدة |
الدافع |
|
1981- 1984 |
من 20% إلى 8% |
النجاح في احتواء التضخم الجامح |
|
1995- 1997 |
من 6% إلى 5% |
بدء دورة انتعاش اقتصادي جديدة |
|
2001- 2003 |
من 6% إلى 1% |
التعافي من فقاعة دوت كوم |
|
2007- 2015 |
من 5.25% إلى صفر |
الأزمة المالية العالمية |
|
2020- 2022 |
من 1.50% إلى صفر |
دعم الأسواق خلال قيود الوباء |
– على الرغم من أن خفض الفائدة في خلال الأزمة المالية العالمية إلى نطاق “بين صفر و0.25%” لم يستغرق وقتًا (خلال عامي 2007 و2008)، نظرًا لطبيعة الأزمة، فإن دورة التخفيف هذه تعد بين الأطول أجلًا حيث استمرت حتى عام 2015.
– إلى جانب خفض الفائدة في هذه الفترة، أطلق الفيدرالي برامج التحفيز الكمي لشراء الأصول المالية مثل سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري لتحفيز الاقتصاد، وهو ما ساعد الاقتصاد والأسواق المالية على الانتعاش إلى حد كبير.
كيف تتأثر الأسهم بدورات التخفيف؟
– تاريخيًا، كان خفض الفائدة أداة فعالة لتحفيز النمو الاقتصادي، فعندما يخفض الفيدرالي الفائدة، تنخفض تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات، مما يشجع على الإنفاق والاستثمار، وهذا النشاط يعزز أرباح الشركات، مما ينعكس إيجابياً على أسواق الأسهم .
– بطبيعة الحال، ترتفع الأسهم خلال فترات التخفيف النقدي بسبب التحسن في الأرباح وتوقعات النمو الاقتصادي، لكن تظل هناك مخاطر كامنة تتمثل في إمكانية تفاقم التضخم على المدى الطويل وحدوث فقاعات في أسعار الأصول.
– منذ عام 1970، ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بمعدل 18% في المتوسط، بعد عام واحد من أول خفض لأسعار الفائدة في دورات التخفيف النقدي (باستثناء حالات الركود)، وفقًا لـ “إيفركور آي إس آي”، وفي فترات الركود، ارتفع المؤشر بمعدل 2% فقط.
الزيادة في مؤشرات الأسهم الأمريكية خلال أبرز دورات التخفيف النقدي
تاريخ الدورة |
داو جونز (بالنقاط) |
داو جونز (%) |
إس آند بي 500 (بالنقاط) |
إس آند بي 500 (%) |
1981- 1984 |
350 |
41.0 |
38 |
37.3 |
1995- 1997 |
3400 |
85.0 |
400 |
80.0 |
2001- 2003 |
700 |
7.2 |
50 |
4.5 |
2009- 2015 |
9500 |
118.0 |
1300 |
162.0 |
2020- 2021 |
8000 |
28.6 |
1500 |
46.9 |
– في حين تتوقع وكالة “فيتش” أن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 175 نقطة أساس بحلول نهاية العام المقبل، يرى محللون (بما في ذلك مصرف جيه بي مورجان) ضرورة خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس خلال الاجتماعات الثلاثة المتبقية لهذا العام فقط.
– من جانبه قال “ريك رايدر” رئيس الاستثمار في أدوات الدخل الثابت العالمية في “بلاك روك”، إن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يخفض الفائدة 50 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر، وبمقدار 25 نقطة أساس في المرة الواحدة لباقي اجتماعاته حتى نهاية 2025.
– رفع “بنك أوف أمريكا” وشركة “فانجارد” توقعاتهما لخفض الفائدة في سبتمبر إلى 50 نقطة أساس من 25 نقطة سابقًا، وهذه التوقعات المتفائلة للغاية (البعض حذر منها مثل الخبير محمد العريان)، قد تعني دفعة قوية للمستثمرين نحو المخاطرة.
ما أبرز القطاعات والأسواق المستفيدة؟
– عادة ما تكون البنوك أبرز المستفيدين من خفض الفائدة بسبب زيادة نشاط القروض الناتج عن انخفاض تكاليف الإقراض، وإن كانت هوامش الأرباح تتأثر سلبًا على المدى القصير، وأيضًا تستفيد شركات التأمين من زيادة الطلب في مثل هذه الظروف.
– أيضًا يستفيد القطاع العقاري والاستهلاكي والصناعي بفضل سهولة الحصول على التمويل، وانتعاش إنفاق المستهلكين والشركات المدفوع على الأرجح بنمو الائتمان، وعادة ما يستغل قطاع التكنولوجيا هذه الفترات لجذب الاستثمارات وتوسيع أعماله.
– كما تستفيد الأسواق الناشئة بشكل خاص من خفض الفائدة في أمريكا، لأن ذلك يحفز رأس المال على البحث عن العوائد المرتفعة خارج الولايات المتحدة، ما يعزز نمو هذه الأسواق، والتي عادة ما تكون في ضغوط خلال دورات التشديد النقدي للفيدرالي.
– أسعار المعادن الثمينة مثل الذهب عادة ما تنتعش مع خفض الفائدة في أمريكا، حيث تصبح أكثر جاذبية كمخزن للقيمة مقارنة بالسندات، كما تستفيد السلع الرئيسية مثل النفط مع ازدهار النشاط الاقتصادي حول العالم.
– استنادًا إلى تحليل من مؤسسة “نيد ديفيس” للأبحاث، غالبًا ما كان أداء القطاعات الدورية (التي تستفيد من الاقتصاد المتسارع، مثل السلع الاستهلاكية والصناعية) أفضل عندما يبدأ الفيدرالي دورة من الخفض التدريجي لأسعار الفائدة، كما هو متوقع في هذه الدورة.
– ذكر تحليل لشركة “تشارلز شواب” حول دورات خفض الفائدة منذ عام 1929، أن تعريف القطاعات الدفاعية والدورية تغير بمرور الوقت، ففي حين كانت أسهم التكنولوجيا تاريخيًا ضمن المجموعة الدورية، فإنها في دورة التشديد الحالية، اكتسبت العديد من خصائص الدفاع.
– أشار التحليل إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى تفوقت على السوق في الدورة الحالية، وساعدتها حيازاتها النقدية الضخمة على عزل نفسها عن تكاليف الاقتراض المرتفعة، وساعدتها في توليد الدخل مستفيدة من أسعار الفائدة المرتفعة.
ماذا لو أخطأ الفيدرالي؟
– خفض الفائدة ليس نهاية المطاف، فالطبيعة الدورية لأي شيء تعني أن ما تنتهي بالوصول إليه قد تبدأ من عنده مجددًا، وهذا يتطلب إدارة يقظة، حيث يمكن ببساطة أن تؤدي دورة التخفيف إلى تضخم مفرط ثم إلى ركود اقتصادي.
– في حين لا يمكن إبقاء التضخم منخفضًا والاقتصاد متسارعًا إلى الأبد، فهناك قلق من أن يخفق الفيدرالي في إدارة دورة التخفيف، خاصة بعد أن أخطأ (وفقًا لوجهة نظر بعض المحللين) في تقدير الموجة التضخمية الأخيرة وتحرك متأخرًا لاحتوائها ظنًا منه أن ضغوط الأسعار في 2021 كانت مؤقتة.
– يمكن لتكاليف الاقتراض المنخفضة أن تعزز إنفاق الشركات والأفراد بشكل كبير، ما يؤدي إلى خلق طلب متزايد قد يتجاوز العرض، ما ينتج عنه زيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات والأجور، ويتسبب في فوران اقتصادي والذي ينتهي بعواقب مؤلمة.
– قد تتشكل فقاعات أيضًا مع انخفاض الفائدة بشكل كبير، حيث يؤدي انخفاض تكاليف الاقتراض إلى زيادة الطلب على الأسهم والعقارات وغيرها من الأصول، ما يترتب عليه تقييم مبالغ فيه، وزيادة في التقلبات وإثقال الشركات بالديون.
– ختامًا، يظل تأثير السياسة النقدية على الأسواق المالية قوة محورية في عالم دائم التغير، حيث تُظهر الأمثلة التاريخية والتوقعات المستقبلية أن التخفيف النقدي ليس مجرد أداة اقتصادية، بل هو عنصر حاسم في تشكيل مستقبل الأسواق العالمية، فهل يكون أكثر إشراقًا؟