بنك المغرب يطلق السوق الثانوية للديون المتعثرة: تحسين السيولة أم تحميل الأسر الأعباء؟
أعلن عبد الرحيم بوعزة، المدير العام لبنك المغرب، يوم الخميس الماضي عن استعداد البنك المركزي لإطلاق السوق الثانوية للديون المتعثرة.
هذه الخطوة ستمكن البنوك من بيع الديون التي عجز أصحابها عن سدادها إلى جهات أخرى تتولى مهمة تحصيلها.
تأتي هذه المبادرة في وقت بلغ فيه إجمالي هذه الديون مستوى قياسيًا تخطى 98 مليار درهم، ما يعادل حوالي 7% من الناتج الداخلي الخام للمملكة.
في تصريحاته، وصف بوعزة هذا القرار بأنه “إصلاح أساسي” للقطاع البنكي والاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن الديون المتعثرة تشكل عبئًا ثقيلًا على الأبناك، حيث تبقى مدرجة في ميزانياتها لفترات طويلة بسبب تأخيرات التحصيل سواء بشكل ودي أو قضائي.
ولفت إلى أن إدارة هذه الديون المتعثرة تتطلب تكاليف كبيرة، مما يؤثر سلبًا على السيولة المتوفرة للبنوك. وقد توقع أن يساعد تطوير السوق الثانوية للديون المتعثرة في تقليص العجز في السيولة، الذي يتم تغطيته حاليًا من قبل بنك المغرب.
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي محمد جدري أن تعثر المدينين في سداد ديونهم يضع البنوك أمام “تحدٍ صعب”، حيث يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات قانونية معقدة مثل اللجوء إلى المحاكم أو محاولة الحجز على الممتلكات.
وشرح أن هذه العملية تتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين، فضلًا عن التكاليف المالية المرتبطة بها. وأضاف جدري أن البنوك، رغم تعثر القروض، تظل ملزمة بتخصيص ضمانات لهذه القروض.
على سبيل المثال، إذا كان لدى البنك 100 مليون درهم من القروض المتعثرة، فإنه يجب عليه تخصيص ضمان يعادل هذا المبلغ في ميزانيته، مما يحد من قدرته على تقديم قروض جديدة.
من الناحية العملية، يعتقد العديد من الخبراء أن البنوك ستستفيد من هذا الإجراء الجديد على عدة أصعدة. أولًا، يمكن للبنك بيع القروض المتعثرة بمبالغ أقل، مما يوفر الوقت ويسمح له بالتخلص من الأعباء القانونية والإدارية المرتبطة بها.
كما أن الأموال الناتجة عن بيع هذه الديون يمكن أن تُستخدم في تقديم قروض جديدة، مما يعزز ربحية البنك ويسهم في تعزيز السيولة.
وفقًا للتقرير الأخير لبنك المغرب حول الاستقرار المالي، بلغ إجمالي الديون المتعثرة أعلى مستوى لها في 2023، حيث وصل إلى 94.8 مليار درهم، بزيادة بلغت 6.7% مقارنة بالعام السابق.
ووفقًا للبيانات، بلغ إجمالي الديون المتعثرة للأسر المغربية 41.8 مليار درهم، مع ارتفاع معدل التعثر إلى 10.2%. القروض الاستهلاكية سجلت أعلى معدل تعثر بلغ 13%، بينما سجلت قروض السكن نسبة تعثر أقل بلغت 8.5%.
ورغم الفوائد المحتملة للبنوك، إلا أن هذا القرار تعرض لانتقادات واسعة من قبل بعض الجهات التي ترى أن هدفه الأساسي هو زيادة أرباح البنوك على حساب المقترضين الذين يعانون من صعوبات مالية. حيث يشير النقاد إلى أن هذه الخطوة قد تساهم في تحميل الأسر مزيدًا من الأعباء، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
و تشير البيانات إلى أن الجزء الأكبر من الديون المتعثرة يعود للأسر المغربية التي تلجأ إلى الاقتراض لأغراض متنوعة مثل شراء المنازل أو تغطية نفقات العلاج.
ومع بيع هذه الديون إلى أطراف أخرى، يظل مصير الأسر المقترضة مجهولًا، ويعتمد على من ستتولى مهمة تحصيل الديون. الأمر الذي يثير القلق بشأن التأثير الاجتماعي والاقتصادي لهذا القرار على المواطنين الذين يعانون أصلاً من ضغوط مالية.
إن إطلاق السوق الثانوية للديون المتعثرة يمثل خطوة هامة في مسار إصلاح القطاع البنكي في المغرب، إذ يساعد في تحسين السيولة للبنوك وتسهيل تحصيل الديون المتعثرة.
لكن تبقى الأسئلة حول كيفية تأثير هذا القرار على المقترضين، خاصة الأسر المغربية، التي قد تجد نفسها أمام تحديات جديدة في ظل تزايد عبء الديون.