انتخابات 2024: هل ستغير قواعد اللعبة في الأسواق الأمريكية ؟
بدأت الأسواق المالية في الولايات المتحدة عام 2024 بتحديات متعددة، من أبرزها المخاوف من الركود الاقتصادي، وتزايد التوترات الجيوسياسية، واحتمالية قرب نهاية دورة التشديد النقدي، إضافة إلى تأثيرات الانتخابات الرئاسية القادمة.
هذه العوامل دفعت المحللين والمستثمرين إلى التريث في توقعاتهم، خاصة بعد الأداء القوي للأسواق في العام الماضي، عندما تمكن سوق الأسهم الأمريكي من تجاوز الأزمات المصرفية وأزمة سقف الديون، ليغلق مؤشر “إس آند بي 500” لعام 2023 بزيادة قدرها 24%.
ومع اقتراب نهاية عام 2024، لا يزال سيناريو الهبوط الناعم قائمًا، وسط توقعات بأن يواصل الاحتياطي الفيدرالي سياسة التيسير النقدي مع تراجع التضخم إلى مستهدفه البالغ 2%، بفضل مرونة سوق العمل والتعافي في مستويات الإنفاق الاستهلاكي.
شهدت الأسواق موجة بيع كبيرة في أغسطس الماضي، امتدت آثارها إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية، نتيجة للبيانات الضعيفة في قطاع التصنيع وسوق العمل، وسط مخاوف من تشديد الفيدرالي للسياسة النقدية.
و تزامن ذلك مع تخارج المستثمرين من مراكزهم المرتبطة بـ “الكاري تريد” بعد رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة، ما أدى إلى تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 8.5%، وفقًا لتقرير “دويتشه بنك”.
وفي أبريل، تسببت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في هبوط الأسهم الأمريكية بنسبة تجاوزت 5%، مع صعود أسعار النفط إلى أكثر من 90 دولارًا للبرميل.
هذا جاء بعد ارتفاع التضخم في الربع الأول، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في الولايات المتحدة زيادة بنسبة 0.4% لمدة ثلاثة أشهر متتالية، ما دفع المعدل السنوي إلى 4.5%.
و رغم هذه الضغوط، حقق مؤشر “إس آند بي 500” 57 إغلاقًا قياسيًا منذ بداية العام، مع ارتفاع بنحو 27% حتى دجنبر ، مما فاق التوقعات التي توقعت زيادته بنسبة 17%.
وفي نفس السياق، سجل “داو جونز” 48 إغلاقًا قياسيًا جديدًا، ليضيف 18% إلى قيمته مقارنة بمكاسب العام الماضي التي بلغت حوالي 14%.
من جهة أخرى، قفز “ناسداك” المركب بنسبة تتجاوز 31% منذ بداية العام، بفضل تحقيقه 36 إغلاقًا قياسيًا، ليواصل التفوق على مكاسبه المتميزة في عام 2023 التي تجاوزت 43%.
كان الابتكار التكنولوجي، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، محركًا رئيسيًا للنمو في أسواق الأسهم.
و شهدت أسهم شركات مثل “إنفيديا” نموًا كبيرًا، حيث ارتفعت بنسبة 176% منذ بداية العام، وهو ما دفع “بلاك روك” إلى زيادة وزن الأسهم الأمريكية في محفظته الاستثمارية لعام 2025، بناءً على التفاؤل بشأن اتساع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لكن القطاع المالي كان هو الأكثر قوة هذا العام، بزيادة تصل إلى 35%، يليه قطاع المرافق بزيادة 28%، بينما سجلت أسهم التكنولوجيا زيادة بنحو 22%.
تتوقع شركة “آي دي سي” أن ينمو الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي بين عامي 2024 و2028 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 29%.
وتنبأت “وود ماكنزي” بنمو أرباح شركات الرعاية الصحية بنسبة 7% سنويًا بين عامي 2022 و2027. في حين حذر معهد أبحاث الطاقة الكهربائية من الزيادة الكبيرة في استهلاك الطاقة التي تتطلبها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ما يعزز الطلب على الوقود الأحفوري.
المحللون يعدلون توقعاتهم بعد الأداء القوي للأسواق هذا العام، ويتوقعون أن يرتفع “إس آند بي 500” بنسبة 20% في 2025، ليصل إلى 7 آلاف نقطة، خاصة بعد فوز الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالانتخابات الرئاسية.
ومع تجاوز الدين العام الأمريكي 36 تريليون دولار، تزداد المخاوف من تجدد الضغوط التضخمية، لا سيما إذا فرض “ترامب” رسوماً جمركية على الواردات.
في هذا السياق، يتوقع المستثمرون استمرار الابتكار التكنولوجي وزيادة التوجه نحو تنويع الاستثمارات بين أسهم النمو والقيمة، مع الحذر من التقييمات المرتفعة والتوترات الجيوسياسية التي قد تشكل مخاطر على الأسواق.
يبدو أن عام 2025 سيحمل مزيجًا من الفرص الكبيرة والتهديدات المتزايدة. في ظل استمرار الابتكار التكنولوجي، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة، إضافة إلى التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المحتملة، سيكون من الضروري للمستثمرين التوازن بين المخاطر والفرص عبر استراتيجيات استثمار متنوعة للحفاظ على استقرار العوائد.