المقاولات الصغيرة والمتوسطة في المغرب: تحديات التمويل والهيكلة وسط القطاع غير المهيكل
رغم الجهود التي تبذلها الحكومة لتقنين القطاع غير المهيكل ودمج المقاولات والفاعلين في إطار قانوني، إلا أن هذه المبادرات تواجه العديد من التحديات، خاصة فيما يتعلق بمشاكل الوصول إلى التمويل واستمرار الجمود في تفعيل آلية تخصيص جزء من الصفقات العمومية لفائدة المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.
منذ سنة 2020، شهدت المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة نزوحًا متزايدًا نحو القطاع غير المهيكل، وهو اتجاه تفاقم بعد الأزمة الصحية لكوفيد 19 وما تلاها من أزمات اقتصادية مثل التضخم والجفاف.
هذا التحول يعكس عدم قدرة العديد من المقاولات على البقاء في إطار قانوني بسبب غياب الدعم الكافي، سواء من حيث التمويل أو الفرص المواتية في الصفقات العمومية.
وفي هذا السياق، أشار عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، إلى أن الكونفدرالية طالبت السلطات بضرورة فتح المجال أمام هذه المقاولات المشتغلة في القطاع غير المهيكل للحصول على التمويل والولوج إلى الصفقات العمومية.
وقال الفركي إن هذا الإجراء من شأنه تحفيز المقاولات على الانتقال إلى القطاع المهيكل، مشيرًا إلى أن المقاولات الصغيرة تعرف أنها لن تحصل على شيء من الهيكلة في ظل غياب هذه الفرص.
كما أكد الفركي خلال برنامج “L’opinion des jeunes” على يوتيوب، أن تشجيع المقاولات المهيكلة من خلال تسهيل وصولها إلى التمويل والصفقات العمومية سيساهم في دفع المقاولات غير المهيكلة لتقنين وضعها.
وأضاف أن العديد من المقاولات الصغرى والمتوسطة في القطاع غير المهيكل لا ترى فائدة في الهيكلة، لأن هذا الأمر لن يوفر لها التمويل أو الفرص في الصفقات العمومية.
وبخصوص ضرورة الالتزام بـ “إطار اقتصادي أخلاقي”، أشار الفركي إلى أن هذا الالتزام يجب أن يبدأ من المقاولات الكبرى، التي تقوم بممارسات غير أخلاقية مثل “الكاش بولينغ” (إعلان إفلاس الشركات والتخلص من أموالها للتهرب من دفع المستحقات).
واعتبر الفركي أن الحكومة تشجع هذه الممارسات من خلال دعمها للمقاولات الكبرى على حساب المقاولات الصغيرة، مشيرًا إلى أن القانون ينص على تخصيص 20% من الصفقات العمومية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما لم يتم تفعيله بشكل جيد منذ عام 2013، مما أدى إلى خسائر سنوية تقدر بحوالي 60 مليار درهم.
وأضاف الفركي أن المقاولات في القطاع غير المهيكل لا يمكنها التهرب من دفع الأجور والضرائب والمساهمات الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الكونفدرالية اجتمعت مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي واتفقوا على إنشاء لجان وطنية وجهوية لتسهيل دفع هذه المساهمات.
وأوضح أن ما تحتاجه المقاولات الصغيرة والمتوسطة في هذه المرحلة هو الحصول على تسهيلات في سداد ديونها بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي الصعب، خاصة في ظل التضخم والجفاف.
وأشار إلى أن هذه المقاولات لم تستفد من قروض “أوكسجين” أو قروض “انطلاقة”، كما أن لجنة اليقظة الاقتصادية، التي تم تشكيلها بمشاركة مؤسسات حكومية وأرباب المقاولات الكبرى، تجاهلت تمامًا صوت المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
من هنا، يتضح أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة في المغرب لا تزال تواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وأن هناك حاجة ماسة إلى سياسات وإجراءات تضمن لها الاستفادة من الدعم المالي والفرص التجارية على قدم المساواة مع باقي الفاعلين في الاقتصاد.