المغرب يراهن على الاستثمار المينائي لتحفيز النمو الاقتصادي
بناءً على استراتيجياتها الاستراتيجية في مجال الموانئ، تسعى المملكة المغربية إلى تلبية الحاجات على جميع المستويات، سواء كانت وطنية، جهوية، محلية، أو قطاعية، وتتميز هذه الاستراتيجيات بالتركيز على تحويل الموانئ المغربية إلى محطات أساسية ضمن الطرق البحرية العالمية.
تعتمد هذه الخطط على نهج استثماري يأخذ في الاعتبار الإمكانيات التمويلية المتاحة ويحدد الأولويات في التنفيذ، مع مشاركة جميع الأطراف المعنية في رسم خيارات التنفيذ.
و تستند هذه الاستراتيجية الاستثمارية إلى إرادة سياسية قوية من الدولة المغربية، حيث تمثل التوجيهات الملكية السامية الضمانات اللازمة.
و يُعَد خطاب الملك في 6 نونبر 2023 مثالًا على ذلك، حيث تم التأكيد فيه على أهمية تطوير الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية وتحويلها إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.
وتحتل المنشآت المينائية في المغرب مكانة بارزة في إطار التنمية الوطنية والترابية، حيث تعتبر أدوات لوجستية أساسية لتعزيز الاستثمارات الوطنية والمحلية. كما تشكل أداة لجذب وتشجيع وتوطين الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى كونها استثمارًا جيواستراتيجيًا عملاقًا.
بهذه الطريقة، نحاول تسليط الضوء على أهمية الاستثمارات المينائية في المغرب وعلاقتها بالتنمية الوطنية والترابية، متناولين الخصوصية الاستراتيجية لتلك الاستثمارات والتي تأتي في سياق خطط التنمية الوطنية والترابية.
تمثل استراتيجية الاستثمار في قطاع الموانئ بالمغرب إطارًا شاملاً واستشرافيًا، يهدف إلى تحقيق تنمية متناسقة للموانئ في المملكة، ويشكل مرجعًا مشتركًا بين جميع الجهات المعنية على المستوى المركزي والإقليمي والمحلي والقطاعي.
تأخذ هذه الاستراتيجية بعين الاعتبار وتتفاعل مع جميع الاستراتيجيات الوطنية والمحلية الأخرى، لتحديد وتكامل الأهداف والمخططات التنموية.
يتألف قطاع الموانئ في المغرب من 13 ميناء مفتوح للتجارة الخارجية، و10 موانئ مخصصة للصيد الجهوي، و9 موانئ مخصصة للصيد المحلي، و6 موانئ للترفيه. وقد بلغ الحجم الإجمالي لنشاط الموانئ 92 مليون طن، منها 20 مليون طن تم في إطار المسافنة.
وسجلت هذه الموانئ 24526 رسوًا للسفن واستقبلت 4.3 مليون مسافر، بما في ذلك 435000 من سياح رحلات البحر.
شهد قطاع الموانئ تطورًا كبيرًا خلال العقد الأخير، حيث تم تخصيص ميزانية استثمارات عمومية سنوية بقيمة 3 مليار درهم، مما أدى إلى نمو مطرد بمعدل 6% سنويًا للطلب على الموانئ والتدفقات التجارية. وقد أدمج هذا النمو بنجاح الاقتصاد المغربي في الاقتصادين الإقليمي والدولي، ودعم السياسات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
على الرغم من التحديات التي فرضتها جائحة كوفيد-19، نجح القطاع المينائي في تجاوز الصعوبات بمرونة كبيرة، وضمان استمرارية الصيد البحري والسلاسل اللوجستية العالمية. وقد شهد القطاع تحسنًا ملحوظًا، حيث ارتفع حجم رواج المسافرين والسياح البحريين بنسبة كبيرة.
من جانب آخر، ارتفع حجم منتوجات الصيد البحري الساحلي والتقليدي التي تم تفريغها في الموانئ المغربية، وشهدت موانئ المملكة تحسنًا في حركة الرواج الوطني. كما تميز ميناء طنجة المتوسط بدوره كمشغل ومطور مستقل، حيث يقدم الخدمات اللوجستية و تعزيز القدرة التنافسية بالنسبة للاقتصاد المغربي .
تتمحور الرؤية الوطنية لتطوير قطاع الموانئ في السنوات المقبلة حول استراتيجية تنموية طموحة ومتناسقة مع سياسات التخطيط الوطني والحفاظ على البيئة. يعتمد هذا الرؤية على تنفيذ خطة الأقطاب المينائية، التي تنسجم مع التفضيلات الإقليمية التي اختارها المغرب.
و تعمل عدة عوامل على زيادة الطلب على الموانئ، مثل الاستراتيجيات القطاعية والاقتراب الجغرافي من أوروبا، مما يتيح للمغرب فرصًا في التجارة الحرة واللوجستيات. إضافةً إلى ذلك، تُعد فكرة المراكز اللوجستية (Hub) وفتح الاقتصاد المغربي على العالم محفزات للاستثمارات الضخمة وتطوير الموانئ.
و تشير السياسات والمخططات القطاعية المعتمدة في مجالات مختلفة إلى زيادة الطلب على الموانئ الوطنية، وتشمل هذه السياسات مجالات الطاقة والفوسفات والصناعة والصيد البحري والفلاحة والسياحة والطاقات المتجددة وقطاع التجارة واللوجستيات.
تتوقع الإستراتيجيات المينائية والاستثمارية تأثيرًا كبيرًا على الإنتاج والاستهلاك، سواء على الصعيدين الوطني والدولي، وتسهم في زيادة الطلب على الموانئ المغربية في السنوات القادمة، مع توسيع نطاق السياحة والصناعات البحرية.
وبالنظر إلى الزيادة المتوقعة في الطلب على الموانئ، فإن تحسين جودة الخدمات وزيادة التنافسية ضروريان للنظام المينائي، مع مراعاة التحولات المستقبلية في هذا القطاع والتحديات المرتقبة.
تهدف السياسة الاستثمارية المينائية إلى استجابة متزامنة للاحتياجات الاقتصادية والسياسية، وذلك من خلال تلبية الطلب على الموانئ وتحقيق أهداف وطنية، بما في ذلك الاستفادة من المواقع الاستراتيجية والمشاركة في التجارة عبر المتوسط والمحيط الأطلسي، وتعزيز التوازنات الإقليمية ودعم الدينامية الاقتصادية المحلية في جميع أنحاء المملكة.
تركز هذه الاستراتيجية الاستثمارية على دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والجهوي، لصالح جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجماعات الترابية. تتمثل هذه المساهمة في توفير بنية تحتية مينائية ومرافق وخدمات تتوافق مع المعايير الدولية، وفي خلق فرص وإضافة قيمة للقطاع الاقتصادي والمواطنين، مع احترام معايير الاستدامة البيئية.
من المتوقع أن تستند هذه الاستراتيجية إلى ستة أقطاب مينائية، تعزز الأنشطة الإقليمية، حيث يلعب كل ميناء كبير دورًا محوريًا في إعداد التراب وتنفيذ الاستراتيجيات القطاعية. بينما تقدم الموانئ الصغرى الدعم كملحقات أو تخصصات.
بناءً على التقسيم الترابي الجديد الذي أسفر عن انشاء 12 جهة، حيث تتواجد تسع منها على الساحل، سيكون لكل قطب مينائي مهامه الخاصة. فمثلاً، يوجه القطب الشرقي نحو أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط، بينما يشكل قطب الشمال الغربي بوابة للمضيق مع طنجة.
بخصوص التمويل، يمكن تمويل هذه الاستثمارات سواء من خلال الميزانية العامة للدولة أو من موارد الوكالات المينائية، أو بمشاركة القطاع الخاص في إطار عقود الامتياز أو الشراكات العامة-الخاصة.
يعتمد تطبيق هذه الاستراتيجية على التخطيط المفتوح، دون الاعتماد على برنامج استثماري متعدد السنوات، حيث يتم تعديل البرنامج بانتظام ليتناسب مع التحديات والفرص القائمة.
لضمان النجاح، يجب على السلطات العمومية وضع آليات تسمح بالتدخل في الوقت المناسب لتنفيذ الاستثمارات وتحديد التهيئة الملائمة لكل ميناء، وذلك ضمن رؤية متوسطة وطويلة المدى. وتستند هذه الآليات على مسارات استثمارية تغطي مختلف الخيارات لتلبية الطلب عند الضرورة.
باختصار، تبرز أهمية الاستثمارات المينائية في المغرب ودورها في التنمية المحلية، وتحفز على إجراء الدراسات العميقة في هذا المجال من منظور متعدد، لتحقيق استفادة كاملة من الفرص المتاحة.