المغرب في قلب المنافسة العالمية: بين الطموحات الصينية والمخاوف الغربية
كشف تقرير صادر عن برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمعهد تشاتام هاوس أن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمغرب، خلال عودته من قمة مجموعة العشرين في البرازيل في نوفمبر الماضي، تسلط الضوء على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه المغرب في تعزيز هيمنة الصين على صناعة السيارات الكهربائية.
و تأتي هذه الزيارة في ظل تصاعد التحديات التي تواجهها الصين، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية.
و أشار التقرير إلى أن المغرب قد يصبح ساحة رئيسية في الحرب التجارية القادمة بين الصين والغرب.
و تواجه السيارات الكهربائية الصينية، التي تعد محوراً رئيسياً في استراتيجية بكين للطاقة النظيفة، سياسات حمائية مشددة من قبل الأسواق الغربية.
وفي هذا السياق، يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال مبادرات مثل “الصفقة الخضراء” وسياسات “الحكم الذاتي الاستراتيجي المفتوح” إلى تقليل اعتماده على الصين، وتطوير سلاسل التوريد الصناعية الخاصة به.
ومع عودة ترامب إلى المشهد السياسي، من المتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية سياسات جديدة تستهدف الحد من التوسع الصيني في قطاع السيارات الكهربائية، بما في ذلك استثماراتها في دول محورية مثل المغرب.
وبالتزامن، تناقش إدارة بايدن فرض قيود إضافية على واردات السيارات الكهربائية ومكوناتها الصينية بسبب مخاوف تتعلق بأمن البيانات، بصرف النظر عن مكان تصنيعها.
و منذ انضمام المغرب إلى مبادرة الحزام والطريق في عام 2017، عززت الصين استثماراتها في المملكة بفضل الموقع الجغرافي المتميز للمغرب وقربه من الأسواق الأوروبية والإفريقية، إضافة إلى بنيته التحتية المتطورة واتفاقيات التجارة الحرة.
ومن أبرز هذه الاستثمارات مشروع إنشاء مصنع ضخم لبطاريات السيارات الكهربائية بقيمة 6.4 مليار دولار بالقرب من الرباط، والذي سيكون الأكبر من نوعه في إفريقيا.
كما تشارك الشركات الصينية في تطوير مشاريع البنية التحتية المغربية، بما في ذلك السكك الحديدية عالية السرعة بين القنيطرة ومراكش.
و رغم الفرص الاقتصادية الواعدة، فإن الموقع المحوري للمغرب يضعه تحت ضغوط متزايدة. فمن جهة، تسعى الصين إلى تعزيز نفوذها التجاري، ومن جهة أخرى، يواجه المغرب ضغوطاً غربية للحد من التعاون مع بكين.
في هذا السياق، تعمل الرباط على تحقيق توازن دقيق في سياستها الخارجية، حيث تسعى لتعزيز استقلالها السياسي وتقليل اعتمادها على النفوذ الفرنسي التقليدي، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
الجدير بالذكر أن أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية تستوعب حوالي 90% من صادرات السيارات المغربية.
إذا تمكن المغرب من استثمار هذه الفرص بحكمة وتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة للقوى العظمى، فقد يصبح نموذجاً يُحتذى به للدول النامية في الجنوب العالمي. نجاحه في إدارة هذه المنافسة دون المساس بسيادته أو استقراره الاقتصادي سيعزز مكانته كلاعب رئيسي في التجارة العالمية.
غير أن المستقبل يحمل تحديات كبيرة، وسيكون نجاح المغرب في الخروج رابحاً من هذه المعادلة المعقدة مرهوناً بقدرته على المناورة بحكمة واستراتيجية.