الاقتصاديةالشركات

العصر المذهب الثاني: التحديات الاحتكارية في الاقتصاد الأمريكي الحديث

في أواخر القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة بينما كانت تستعد للاحتفال بمئويتها. في تلك الفترة، برزت العديد من الممارسات التجارية غير القانونية والتكتلات الاحتكارية التي أثارت استياء الشعب الأمريكي، مما دفع إلى تفجر الاحتقان الشعبي.

وصف الكاتب الأمريكي مارك توين هذه الفترة بأنها “العصر المذهب”، وهو مصطلح استخدمه للإشارة إلى طلاء التوسع الاقتصادي الكبير التي كان يخفي وراءه مشاكل اجتماعية جسيمة.

و خلال هذه الحقبة، ظهرت فضائح سياسية كبيرة وأُطلق لأول مرة مصطلح “البارون اللص” على رجال الأعمال الأغنياء ذوي النفوذ الذين كانوا يبتعدون عن أي قيود أخلاقية أو قانونية.

العديد من الشركات الصناعية الكبرى ازدهرت في تلك الفترة مثل “كارنيجي ستيل” و”ستاندرد أويل”، اللتان أسسهما أندرو كارنيجي وجون روكفلر.

و على الرغم من النجاح الباهر لهذه الشركات، إلا أن سيطرتهما على السوق كانت شديدة لدرجة أنها تقوضت المنافسة بشكل كبير، تماماً كما تفعل شركات التكنولوجيا اليوم مثل “آبل”، “جوجل” و”ميتا”.

edd5968b 1087 4eba 8f28 40d981efc66c Detafour

إذ كانت ثروة روكفلر وفق حسابات اليوم تتجاوز 400 مليار دولار، بينما بلغت ثروة كارنيجي 375 مليار دولار، مما يجعلهما من بين أغنى الشخصيات في التاريخ.

هيمنت “ستاندرد أويل” على نحو 90% من إنتاج النفط الأمريكي، بينما استحوذت “كارنيجي ستيل” على نحو 75% من إمدادات الصلب.

وأدت عمليات الدمج والاستحواذ الضخمة إلى قضاء على المنافسة تقريبًا، ولكن هذه القوة الاقتصادية غير المتوازنة كانت بداية النهاية لهذه الشركات الكبرى.

واليوم، بعد أكثر من مئة عام، لا يبدو أن الدروس قد تم تعلمها تمامًا، سواء من الشركات أو من الحكومة الأمريكية التي قد تُتهم أحيانًا بالتساهل مع الاحتكار حتى ظهور كيانات احتكارية جديدة، كما هو الحال مع “جوجل”. هل ستكون العواقب هذه المرة مماثلة؟

في بداية القرن العشرين، كانت الحكومة الأمريكية قد بدأت في اتخاذ إجراءات ضد الشركات الاحتكارية مثل “ستاندرد أويل”، وذلك بناءً على قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار الذي صدر في 1890.

How AI Could Finally Topple Google's Domination of Search

هذا القانون كان يستهدف ظاهرة “الاتحادات الاحتكارية”، التي كان من خلالها تتعاون الشركات الكبرى لمنع المنافسة.

وفي عام 2020، استدعت الحكومة الأمريكية هذا السلاح مرة أخرى ضد “جوجل” بسبب احتكارها لسوق البحث عبر الإنترنت. وجاءت الدعوى بعد عدة تحركات حكومية ضد الشركات الكبرى التي تهيمن على أسواق التكنولوجيا.

تطور الحصة السوقية العالمية لأبرز تطبيقات التصفح خلال آخر 15 عامًا (مقربة)

المتصفح

الحصة في عام 2009 (%)

الحصة في عام 2024 (%)

إنترنت إكسبلورر

63.6

أقل من 1

فايرفوكس

28.0

2.60

كروم

1.50

66.8

سفاري

2.90

18.3

 

و في الآونة الأخيرة، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى قضائية ضد “جوجل”، مطالبة الشركة ببيع وحدة “كروم”، وهو أحد أبرز منتجاتها. وقالت الوزارة إن ذلك سيسمح بفرصة أكبر للمنافسين للوصول إلى سوق البحث عبر الإنترنت ويخفف من الهيمنة التي تفرضها “جوجل” على هذا القطاع.

هذه الخطوة تُعد بمثابة الأشد في التاريخ الحديث لمكافحة الاحتكار في قطاع التكنولوجيا، وهي تشبه تلك التي تم اتخاذها ضد “مايكروسوفت” في عام 2001.

Search Engine Supremacy: How Google Became the Go-To King of the Web | by  Francis Everett | Medium

ولكن على الرغم من ذلك، يظل السؤال قائمًا: هل ستنجح هذه الإجراءات في معالجة الاحتكار الفعلي في الشركات الكبرى مثل “جوجل”، أم أن التداعيات ستكون أكبر مما يتوقعه الجميع؟

إذا تم تنفيذ قرار بيع “كروم”، فمن المحتمل أن يصل سعر هذه الوحدة إلى ما بين 15 إلى 20 مليار دولار، نظراً لعدد مستخدميه الكبير.

ولكن، قد تواجه الحكومة تحديات في ضمان عدم تحول المنتج إلى أداة احتكار من قبل مالك جديد، سواء كان صغيرًا أم كبيرًا.

تطور الحصة السوقية العالمية لأنظمة تشغيل الجوال آخر 15 عامًا (مقربة)

نظام التشغيل

الحصة في عام 2009 (%)

الحصة في عام 2024 (%)

سيمبيان

37.0

0

أندرويد

1.70

71.6

آي أو إس

37.5

27.6

آخرون

17.2

0.20

 

وفي النهاية، تبقى الولايات المتحدة أمام خيار صعب: كيف يمكن التعامل مع قوى اقتصادية عملاقة دون المخاطرة بتأثير ذلك على الاقتصاد بأسره؟ الإجابة على هذا السؤال قد تحدد شكل العلاقة بين الحكومة والشركات الكبرى في المستقبل، مما يتركنا في مواجهة عصر جديد من التحديات الاقتصادية والسياسية.

البعض يرى أن الولايات المتحدة قد دخلت بالفعل في “العصر المذهب الثاني”، إذ أن التفاوت الكبير في الثروات بين الأفراد والشركات الكبرى يعكس واقعًا مشابهًا لما كان في أواخر القرن التاسع عشر.

ورغم أن الحكومة تسعى لتطبيق القوانين القديمة لمكافحة الاحتكار، إلا أن سياسات الشركات الكبرى قد تجعل الأمر أكثر تعقيدًا في عصر تتطور فيه التكنولوجيا بسرعة غير مسبوقة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى