الحرب على المواهب في الذكاء الاصطناعي: كيف تصنع العقول مستقبل التكنولوجيا؟

في ظل المخاوف المتصاعدة من أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان البشر في العديد من الوظائف، تتنافس الشركات والدول بقوة ليس فقط على تطوير الخوارزميات والأدوات، بل على الاستحواذ على رأس المال البشري، أي المواهب التي تشكل القلب النابض للنمو السريع للتكنولوجيا.
تشهد الساحة العالمية صراعًا محتدمًا لاستقطاب أفضل خبراء الذكاء الاصطناعي، حيث تستخدم شركات مثل “زيكي داتا” تقنيات تحليل بيانات مستوحاة من عالم الرياضة لتحديد المواهب الواعدة غير المعروفة.
وفي السنوات الأخيرة، باتت مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي، سواء الناشئة أو العملاقة، تصعّد جهودها لتوظيف هذه الكوادر النادرة، حتى إن كبار المسؤولين التنفيذيين باتوا يشاركون بشكل شخصي في حملات التوظيف بعد فشل المحاولات التقليدية.
تشير الإحصاءات إلى فجوة كبيرة في توافر المواهب: ففي 2022، خرج حوالي 1.6 مليون طالب هندسي وتقني من الجامعات الصينية، مقارنة بـ112 ألف فقط في علوم الحاسوب والمعلومات في الولايات المتحدة، مما يوضح اعتماد أمريكا الكبير على الكفاءات الأجنبية للحفاظ على موقعها القيادي.
وأظهر مؤشر “ماكرو بولو” العالمي أن الصين عززت حضورها في مجال البحث العلمي في الذكاء الاصطناعي بشكل مذهل، حيث ارتفعت نسبة الباحثين الصينيين الحاصلين على درجات جامعية في هذا المجال من 29% في 2019 إلى 58% في 2022.
تعد فرص العمل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في الصين من بين الأكثر طلبًا، مع توقعات “ماكينزي” بوجود حاجة إلى 6 ملايين متخصص بحلول 2030، مع احتمال نقص يصل إلى 4 ملايين. ولتجاوز هذه الفجوة، تكثف الجامعات والشركات جهودها لتدريب وتأهيل الكوادر.
في الولايات المتحدة، تظل السوق الأولى للمواهب التقنية، حيث تحتضن 60% من أفضل المؤسسات المتخصصة عالميًا.
كيف تتسباق الشركات لجذب أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي؟ |
||
النقطة |
|
التوضيح |
الشركات الصينية |
|
أعلنت “بايدو” أكبر برامجها على الإطلاق لتوظيف مواهب الذكاء الاصطناعي، بزيادة 60% تقريبًا في الوظائف مقارنة بالعام الماضي، وبدون حد أقصى للرواتب. نماذج أخرى، “علي بابا” التي شكلت الوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي 50% تقريبًا من حملة التوظيف الربيعية التي أطلقتها لعام 2026، و”جيه دي دوت كوم” التي أطلقت برنامج أفضل عباقرة التكنولوجيا الشباب الذي يستهدف طلاب البكالريوس والماجستير والدكتوراه من أنحاء العالم. إلى جانب “ميديا” الرائدة في قطاع التصنيع، التي وظفت في الفترة من يناير حتى أبريل 2025 ما يقرب من ألف شخص في مجالات ذات صلة بالذكاء الاصطناعي. |
وادي السيليكون |
|
يشهد وادي السيليكون منافسة شرسة على استقطاب أفضل المواهب والحفاظ عليها، فمنذ إطلاق “شات جي بي تي” عام 2022، تصاعدت وتيرة التوظيف لتصل إلى مستويات الرياضيين المحترفين الذين تتسابق الأندية الرياضية لجذبهم. ذكرت “رويترز” عن مصادر أن باحثين لدى “أوبن إيه آي” تلقوا عروضًا من “إليفين لابس”، وحصلوا على مكافآت من الشركة المطورة لـ “شات جي بي تي” لا تقل قيمتها عن مليون دولار للبقاء بها، وأن كبار الباحثين لديها يتلقون بانتظام حزم تعويضات تزيد على 10 ملايين دولار سنويًا. |
كافة الشركات |
|
ليست الشركات الصغيرة وحدها من تسعى لاستقطاب المواهب، بل ذكر “سام ألتمان” وهو المدير التنفيذي للشركة المطورة لـ “شات جي بي تي” أن شركة “ميتا” تحاول جذب أفضل الموظفين بمكافآت توقيع باهظة، وبالفعل استقطبت الشركة الأم لـ “فيسبوك” عددًا من المسؤولين البارزين من شركات رائدة. |
و مع ذلك، يواجه قطاع التكنولوجيا الأمريكي تحديات هيكلية في جذب وتوظيف الكفاءات من خارج البلاد، مما دفع شركات عملاقة مثل “جوجل” و”مايكروسوفت” لإنشاء مراكز أبحاث في تورنتو ولندن لتسهيل الوصول إلى المواهب.
رغم استثمار أوروبا الكبير في تعليم الذكاء الاصطناعي، يعاني القارة من هجرة الخريجين إلى الولايات المتحدة بحثًا عن رواتب أفضل وفرص عمل متقدمة، فيما تستقطب دول مثل كندا وسنغافورة شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة الأوروبية وتشجعها على الانتقال إليها.
لم يعد التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي مرتبطًا فقط بتوفير عدد أكبر من الخريجين أو جذب المواهب، بل يرتبط بقدرة الشركات والدول على خلق بيئات عمل محفزة تُمكّن هؤلاء الخبراء من الابتكار والنمو بمسؤولية، تمامًا كما تفعل أندية كرة القدم مع نجومها، حيث لا يكفي جذب الأفضل بل يجب الحفاظ عليهم وتطويرهم ليظلوا في القمة.