التفاوض على جبل تروبيك: هل يستطيع المغرب وإسبانيا التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع؟
في أعماق المحيط الأطلسي، يقع جبل “تروبيك”، كنزٌ طبيعيٌّ يُشعلُ فتيلَ التنافسِ بين المغرب وإسبانيا. هذا الجبلُ البحريُّ، الواقعُ تحتَ المياهِ الإقليميةِ لجزرِ الكناري الخاضعةِ للسيادةِ الإسبانية، يُعدُّ من أهمِّ المناطقِ الغنيةِ بالمعادنِ النفيسة، ما يجعلهُ محورَ صراعٍ استراتيجيٍّ بين البلدين.
تشكّلَ جبلُ تروبيكَ خلالَ العصرِ الطباشيريِّ نتيجةَ سلسلةٍ منَ الانفجاراتِ البركانيةِ قبلَ ملايينِ السنين. يقعُ الجبلُ على عمقٍ يتراوحُ بينَ 1000 و4000 مترٍ تحتَ سطحِ البحر، ويمتدُّ على مساحةٍ شاسعةٍ جنوبَ غربِ جزرِ الكناري، شمالَ الرأسِ الأخضر، وغربَ الصحراءِ المغربية.
و يكتنزُ تروبيكُ كمياتٍ هائلةً منَ المعادنِ الأساسيةِ كالتيلوريومِ والكوبالتِ والعناصرِ الأرضيةِ النادرة، التي تُستخدمُ في صناعاتِ الطاقةِ والتكنولوجيا المُتقدّمة.
بدأَ التنافسُ على جبلِ تروبيكَ يظهرُ جليًّا في عام 2014، عندما قدّمت إسبانيا طلبًا رسميًّا للأممِ المتحدةِ لتوسيعِ حدودِ جرفِها القاريِّ ليشملَ هذا الجبل.
ردَّ المغربُ في عام 2020 بإعلانِ نيّتِهِ توسيعَ مياهِهِ الإقليميةِ ليشملَ مناطقَ قريبةً من تروبيكَ جنوبَ جزرِ الكناري، ما أثارَ قلقًا بالغًا لدى الحكومةِ الإسبانية، خشيةَ تهديدِ مصالحِها في السيطرةِ على هذهِ المواردِ الاستراتيجية.
ورغمَ ذلك، شهدتِ المفاوضاتُ بينَ البلدينِ تقدُّمًا نسبيًّا، حيثُ يسعى الطرفانِ للتوصلِ إلى اتفاقٍ حولَ ترسيمِ الحدودِ البحريةِ بشكلٍ يُراعي مصالحَ وحقوقَ كلا الطرفين.
و تحملُ هذهِ المحادثاتُ أهميةً كبيرةً على المستويينِ الإقليميِّ والدوليِّ، وقد تُشكّلُ نقطةَ تحوّلٍ في العلاقاتِ الثنائيةِ بينَ المغربِ وإسبانيا.
لا تقتصرُ أهميةُ جبلِ تروبيكَ على ثرواتِهِ المعدنيةِ فقط، بل تتعدّاها إلى قيمتِهِ البيئيةِ الفريدة. تُشيرُ التقاريرُ إلى ضرورةِ اتّباعِ معاييرَ بيئيةٍ صارمةٍ في أيِّ نشاطِ تعدينٍ في المنطقةِ لضمانِ عدمِ إلحاقِ أضرارٍ لا يُمكنُ إصلاحُها بالنظمِ البيئيةِ البحرية.
و يُعدُّ هذا الجانبُ من أهمِّ جوانبِ النزاعِ، حيثُ يُمكنُ للمشروعاتِ التعدينيةِ في المنطقةِ أنْ تُخلّفَ آثارًا بعيدةَ المدى على التنوعِ البيولوجيِّ.
و يحتوي جبلُ تروبيكَ على التيلوريوم، وهو معدنٌ أساسيٌّ في صناعةِ الألواحِ الشمسيةِ والأجهزةِ الإلكترونيةِ المُتطورة، ما يُعزّزُ أهميتَهُ بشكلٍ كبير.
و منَ المتوقعِ أنْ يلعبَ هذا العنصرُ دورًا حاسمًا في تحقيقِ أهدافِ الطاقةِ المُتجدّدةِ ضمنَ “أجندةِ 2030”. كما أنَّ امتلاكُ هذا الموردِ يُمكنُ أنْ يُؤهّلَ أيَّ دولةٍ لريادةِ تطويرِ تقنياتِ الطاقةِ النظيفة.
تأملُ إسبانيا، الساعيةُ للاستفادةِ من هذا المورد، في الجمعِ بينَ الاستغلالِ المُستدامِ لهذهِ الثرواتِ والحفاظِ على البيئة. أمّا بالنسبةِ للمغرب، فيُمثّلُ جبلُ تروبيكَ فرصةً هائلةً لتعزيزِ مكانتِهِ في الاقتصادِ الأخضرِ وتحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامة.
إنَّ النزاعَ على جبلِ تروبيكَ ليسَ مُجرّدَ قضيةٍ دبلوماسية، بل هوَ أيضًا مسألةٌ استراتيجيةٌ تهمُّ الاقتصادَ الأخضرَ والتكنولوجيا النظيفة. تكتسبُ السيطرةُ على هذا الجبلِ أهميةً مُتزايدةً في ظلِّ التحوّلِ العالميِّ نحو استخدامِ تقنياتِ الطاقةِ المُتجدّدةِ والمعادنِ النادرة.
و منَ المتوقعِ أنْ تُحدّدَ نتائجُ هذا النزاعِ ملامحَ العلاقاتِ المُستقبليةِ بينَ المغربِ وإسبانيا، بالإضافةِ إلى تأثيرِها على تحوّلاتِ الطاقةِ والاقتصادِ في المنطقة.